نحو الجيل الخامس

نحو الجيل الخامس

16 سبتمبر 2018
+ الخط -
يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن النقلة النوعية الهائلة في عالم الإنترنت وشبكات الاتصالات، مع ظهور خدمات "الجيل الخامس" وانتشارها في أنحاء العالم، بصفتها الامتداد الطبيعي لثورة المعلومات العالمية، والمتزامنة مع ابتكار الأجهزة الذكية ذات المواصفات الفائقة الكفاءة والجودة.

ويقصد بـ"الجيل الخامس" النظام الرقمي الذي يسعى إلى بناء حياة معتمدة كليًا على شبكة الإنترنت بشمولها جميع جوانبها دون استثناء، ومشاركتها في ابتكار صناعات لم يتخيل الإنسان أنها ستتصل مع الإنترنت في الماضي، مثل التلفاز والثلاجة والغسالة.

قبل التطرق إلى الجيل الخامس بالتفصيل، تجدر الإشارة إلى الأجيال السابقة له، بدايةً من الجيل الأوّل المقتصر على تقديم خدمات الاتصالات الهاتفية داخل مناطق الدولة الواحدة وبين دول العالم، وشاركها لاحقًا ظهور ميزة إرسال واستقبال الرسائل النصية القصيرة. ثم ظهر الجيل الثاني الذي أضاف خاصية التراسل بواسطة الرسائل المصوّرة، ووضع الأساسات الأولى للولوج إلى عالم الإنترنت بواسطة الهاتف. وشرّع ذلك الأبواب أمام انطلاق خدمات الجيل الثّالث التي زادت في سرعة الإنترنت، ودعمت إمكان تصفح المواقع الإلكترونية والتطبيقات المتنوّعة في أي زمان وأي مكان، ومهّد ذلك لعصر الجيل الرابع الذي فاق جميع المقاييس والتوقعات، وتمكّن من تحويل الخيال إلى واقع.


شاركت جميع الأجيال السابقة في بناء قواعد ارتكاز وانطلاق الجيل الخامس، الذي يمثّل ظهوره إلى النّور مرحلة متقدمة جدًا من مراحل سيطرة الإنترنت والذكاء الاصطناعي على العالم، فسوف يصبح كلّ شيء تقريبًا متصلًا مع الشبكة العنكبوتية، بداية من الناس وانتهاء بالمباني والمؤسسات، وقد يتخلى الإنسان في المستقبل عن الكثير من الأجهزة التي يستخدمها حاليًا، لتتحوّل إلى مجرد اختراعات كلاسيكية عفا عليها الزّمن، وهكذا يصير العصر الرقمي هو السائد في نواحي الحياة كافة، ويمهد لإنشاء "المجتمعات الذكية" المبنية كليًا على الإنترنت.

تعدّ الهواتف المحمولة أقرب الأمثلة الحية التي تزامن تطوّرها مع تعاقب الأجيال الرقمية عليها، التي جعلتها ترتقي من تصميمها الأوّل المكوّن من أزرار وشاشة بسيطة جدًا خالية من الألوان، وصولًا إلى تصميمها الحديث المشابه لجهاز حاسوب صغير بشاشة رقمية عالية الدقة والوضوح. وسيشارك الجيل الخامس بصفته المكمّل لمسيرة الأجيال الرقمية في نهضة عالم الهواتف المحمولة والأجهزة الأخرى، وتوفير أدوات متقدمة لها، من حيث كفاءة الاتصال الهاتفي، وجودة الارتباط مع شبكة الإنترنت، وتصميم تطبيقات عالية الأداء.

يتزامن، مع انطلاقة الجيل الخامس، ظهور مجموعة مميزات متنوّعة خاصّة به، مثل إمكان الولوج إلى الإنترنت بمجرد استخدام أي جهاز متاح ومتصل معها، فلن تُستخدم فقط ضمن الحواسيب العادية واللوحية والهواتف الذكية، وستتوفّر أيضًا مجموعة من الأنظمة والبرمجيات القابلة لمحاكاة تفكير الإنسان، والتواصل معه دون الحاجة إلى الكتابة أو الكلام، بل بواسطة النظر أو الإيماء، كما سيظهر بوضوح الفرق في سرعة نقل البيانات بمعدل تأخير أقل بكثير مقارنة مع الأجيال السابقة.

بغض النظر عن المميّزات والخدمات الملازمة للجيل الخامس، قد يعرّض الكثير من مستخدميه للخطر؛ بسبب تحوّله إلى بيئة خصبة لظهور أنواع جديدة من التهديدات والمخاطر، بداية من تصميم فيروسات جديدة ومتطوّرة وذات مواصفات تتسبب بعددٍ من الأضرار للأجهزة الرقمية؛ خصوصًا تلك التي لا تمتلك الخصائص الكافية لمواجهة هجمات الفيروسات، كما سيصبح من السهل على المخترقين التسلل إلى الحسابات الإلكترونية للمستخدمين باستخدام تطبيقات متطوّرة، وطرق احتيالية غير مألوفة تساعدهم على ارتكاب الجرائم بسهولة.

بعد تحليل الجيل الخامس ودراسته، يمكن القول إن جميع قواعد الانتقال إليه والاستفادة من مخرجاته باتت شبه جاهزة، ولم يبقَ إلا وقت قصير لانتشار التطبيقات والأجهزة والبرمجيات الخاصّة به، التي تمثّل مرحلة جديدة من مراحل التطوّر التكنولوجي والرقمي العالمي، فصار من اللازم على شبكات الاتصالات وشركات الهواتف المحمولة والأجهزة الرقمية أن تستعدَّ بشكل جدّي لوصول واستقبال هذا الجيل الجديد، فقد أصبحت بوابة التطوّر مشرّعة تمامًا نحو الجيل الخامس.