15 ابريل 2024
حشاش يتفلسف ويعادي الأموات
حشاش يتفلسف ويعادي الأموات
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...
في يوم من الأيام القديمة، حدثت في قريتنا قصة ظريفة.
فجأة، ودون سابق تمهيد، أخذت تدور بين الكواليس أحاديث شبيهة باللغط، تركز على أن صديقي "أبو سلوم" رجل قليل الناموس، حشاش، جشع، لا يشبع من ملذات الدنيا، ولا يقيم للأموات أيّ حرمة.
انزعجتُ مما سمعت، ولم أتمكن من معرفة سبب إيراد ذكر (الأموات) في سياق الأحاديث.. ودون أن أفكر أو أتردد ذهبتُ لزيارة أبو سلوم، على الرغم من أنني أتحاشى زيارته في البيت، لأن بيته بعيد، وطريقه غير مزفت، بل مُسَيَّج بالأشواك، وتوجد كلاب مرابطة إلى جانبي الطريق، متفرغة للنباح على العابرين، وإذا استثارها أحدُهم قد تغلق باب النباح وتفتح باب العَضّ.
وجدتُ في عتبة البيت كمية كبيرة من الأحذية الرجالية، فعرفت أن لديه ضيوفاً كثيرين. وبما أنني قادم دون موعد مسبق فقد آثرتُ أن أعود من حيث أتيتُ تجنباً للإحراج. وفي السهرة التقيته مصادفة بالقرب من باب جامع القرية، فاستوقفته، وحكيتُ له عن ذهابي إليه، فقال لي: من حسن حظك أنك ما دخلت، لأنّ قصتنا توجع الرأس.
ضحكت وقلت له ما معناه إن مَنْ يصادق رجلاً غنياً، إذا زاره فجأة قد يجد عنده وليمة قوامها الرز والفريكة واللحوم المطبوخة بالسمن العربي وعلى وجهها الصنوبر واللوز المقمر، وبعد أن يلتهم المدعوون أطايب الطعام تحضر أمامهم صينية كنافة أم النارين مصنوعة بالقشطة..
وأما مَنْ يرافق رجلاً مفلساً أندبورياً، مثل حضرتك يا سيد أبو سلوم، فإنه يستفيد بقليل من (وجع الرأس)، أو تفرض عليه مساهمة مالية بقصد وفاء الديون المستحقة، أو يضطر لأن يوصله بسيارته إلى الطبيب، ثم يدفع ثمن الدواء من جيبه.
ضحك وقال: ومع هيك أنت مصر أن أكون أنا صديقك.
قلت: طبعاً. ولكن قل لي، ما حكاية الكلام الذي يروى عنك، يقال إنك تقف ضد الأموات؟
قال: تعال نقعد أمام دكان ابن عمي صلاح.
جلسنا، وأحضر لنا صلاح كوبين من الشاي.. وحكى لي أبو سلوم عن إرث قديم تركه أحد أعمامه، بيع بمبلغ من المال، والمبلغ الذي أصاب كل واحد من الأسرة كان صغيراً، فاقترح أحدُ الورثة عدم توزيع الحصص على أصحابها، واستخدام الإرث كله في تسوير المقبرة الخاصة بالعائلة، لأن القبور تتعرض الآن لتجمع الغبار والأوساخ وأكياس النايلون الفارغة، وأحياناً يدخل قطيع من الماعز أو الغنم ويلقي البعر والروث بين القبور ثم يغادر..
المهم اعترض أبو سلوم على الفكرة، وحلف للموجودين بالطلاق أن هذا أول مبلغ إرثي يحصل عليه في حياته، ولذلك لن يتخلى عنه مهما كلف الأمر..
وضحك أبو سلوم ضحكته المعهودة وقال لي:
- يريدون أن يسوروا المقبرة لأجل حماية الأموات. مع أن الأموات مستورون تحت التراب، وأنا، كما تعلم، مفضوح فوق التراب!
انزعجتُ مما سمعت، ولم أتمكن من معرفة سبب إيراد ذكر (الأموات) في سياق الأحاديث.. ودون أن أفكر أو أتردد ذهبتُ لزيارة أبو سلوم، على الرغم من أنني أتحاشى زيارته في البيت، لأن بيته بعيد، وطريقه غير مزفت، بل مُسَيَّج بالأشواك، وتوجد كلاب مرابطة إلى جانبي الطريق، متفرغة للنباح على العابرين، وإذا استثارها أحدُهم قد تغلق باب النباح وتفتح باب العَضّ.
وجدتُ في عتبة البيت كمية كبيرة من الأحذية الرجالية، فعرفت أن لديه ضيوفاً كثيرين. وبما أنني قادم دون موعد مسبق فقد آثرتُ أن أعود من حيث أتيتُ تجنباً للإحراج. وفي السهرة التقيته مصادفة بالقرب من باب جامع القرية، فاستوقفته، وحكيتُ له عن ذهابي إليه، فقال لي: من حسن حظك أنك ما دخلت، لأنّ قصتنا توجع الرأس.
ضحكت وقلت له ما معناه إن مَنْ يصادق رجلاً غنياً، إذا زاره فجأة قد يجد عنده وليمة قوامها الرز والفريكة واللحوم المطبوخة بالسمن العربي وعلى وجهها الصنوبر واللوز المقمر، وبعد أن يلتهم المدعوون أطايب الطعام تحضر أمامهم صينية كنافة أم النارين مصنوعة بالقشطة..
وأما مَنْ يرافق رجلاً مفلساً أندبورياً، مثل حضرتك يا سيد أبو سلوم، فإنه يستفيد بقليل من (وجع الرأس)، أو تفرض عليه مساهمة مالية بقصد وفاء الديون المستحقة، أو يضطر لأن يوصله بسيارته إلى الطبيب، ثم يدفع ثمن الدواء من جيبه.
ضحك وقال: ومع هيك أنت مصر أن أكون أنا صديقك.
قلت: طبعاً. ولكن قل لي، ما حكاية الكلام الذي يروى عنك، يقال إنك تقف ضد الأموات؟
قال: تعال نقعد أمام دكان ابن عمي صلاح.
جلسنا، وأحضر لنا صلاح كوبين من الشاي.. وحكى لي أبو سلوم عن إرث قديم تركه أحد أعمامه، بيع بمبلغ من المال، والمبلغ الذي أصاب كل واحد من الأسرة كان صغيراً، فاقترح أحدُ الورثة عدم توزيع الحصص على أصحابها، واستخدام الإرث كله في تسوير المقبرة الخاصة بالعائلة، لأن القبور تتعرض الآن لتجمع الغبار والأوساخ وأكياس النايلون الفارغة، وأحياناً يدخل قطيع من الماعز أو الغنم ويلقي البعر والروث بين القبور ثم يغادر..
المهم اعترض أبو سلوم على الفكرة، وحلف للموجودين بالطلاق أن هذا أول مبلغ إرثي يحصل عليه في حياته، ولذلك لن يتخلى عنه مهما كلف الأمر..
وضحك أبو سلوم ضحكته المعهودة وقال لي:
- يريدون أن يسوروا المقبرة لأجل حماية الأموات. مع أن الأموات مستورون تحت التراب، وأنا، كما تعلم، مفضوح فوق التراب!
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...