زيارة إلى دماغ المستشار حسن فريد!

زيارة إلى دماغ المستشار حسن فريد!

12 سبتمبر 2018
+ الخط -
(1)
منعتُ نفسي من الضحك بصعوبة، حين سألني المذيع الساذج عن ما فعلته ليلة إصدار آخر طلعة من أحكام الإعدام التي وصفها بالتاريخية، لم يكن سيصدق لو قلت له أنني في تلك الليلة بالذات، طلبت من قائد الحرس إرسال سيارة على وجه السرعة لإحضار طلبية كباب وطَرب وحمام محشي من كبابجي الجمهورية، ثم ندمت على ذلك القرار لاحقاً، قبل أن تتدخل أقراص الفوار والمهدئات لإصلاح ما أفسده الحنين المفاجئ إلى الأيام التي كنت أتحرك فيها بعد انتهاء الجلسات، دون حراسة ولا خوف من الاغتيال ولا حذر من العيون المترصدة لكل ساقطة ولاقطة.

في أوقات أخرى كانت إجابتي الصريحة تلك ستضفي جواً من الحميمية واللطف على الحوار، وتري بعض المُغرّر بهم أننا لسنا جلادين ولا ظلمة كما يصفون الخونة، بل نحن مواطنون عاديون نبتنا من طمي هذه الأرض التي ندافع عنها بكل ما نملك، لكننا للأسف في أيام ملعونة،لا يجب أن تظهر فيها على حقيقتك، لأن تباسطك سيجيب لك كلاماً ليس له لازمة، ولذلك فضلت أن أتسلى بملاعبة المذيع الذي كانت قد أربكته أجواء الحراسة الأمنية المشددة، فأنظر في عينيه متغاضباً وأسأله شاخطاً لماذا وصف الأحكام الأخيرة وحدها بأنها تاريخية، وهل يعني أن ما سبقها من أحكام لم يكن تاريخياً، لأمسك نفسي من الضحك مجدداً، وأنا أراه يشُرّ عرقاً، وهو يقسم برحمة أمه أن كل ما يصدره القضاء المصري الشامخ من أحكام هو قطع حية من التاريخ الناصع، لأن قضاة مصر ليسوا فقط ظل الله على الأرض، بل هم صوت الشعب وضميره وأمله في مستقبل أفضل، وما إلى ذلك من كلمات فخيمة لو طلبت منه أن يعيد رصها من جديد لما استطاع.

(2)
بالأمس أحضر لي الأولاد ما تم نشره عني في الإنترنت عقب الجلسة الأخيرة، وأقسموا لي أنهم التزموا بإحضار كل ما نُشر أياً كانت طبيعته أو درجة احتوائه على الشتائم، بعد أن اكتشفت من قبل أنهم يحجبون عني بعض ما تنشره المواقع الإخوانية لكي لا أغضب أو أحزن، لن يفهموا بالطبع لو قلت لهم إن ما تنشره هذه المواقع هو أكثر ما يهمني ويبهجني، لأنه كلما علت حدّته وسفُلت لهجته، تأكد لي أكثر أنني سأبقى في أحسن حال. مساكين الأولاد، لا زالوا يعيشون في الماضي الذي ولّى، يظنون أن الدولة ترضى عن فلان أو علّان من الناس، حين ينشرون عنه كلاماً زي الفل في جرايدها وقنواتها التي لا يقال فيها إلا ما يرضيها، ولا يعرفون أن ما هم فيه من عز وأمن وأبهة ومكانة، يتجدد ويزدهر كلما لعنت سنسفيلي قنوات الإخوان ومواقعهم وحساباتهم على الإنترنت.

لا زلت أذكر كيف ارتبك الأولاد والأقارب والحبايب حين انطلقت تلك الحملة المسعورة التي تسخر من نطقي للغة العربية خلال قراءة حيثيات الأحكام، وكيف انطلقوا مدافعين مبررين لما حدث، بعضهم يقول أنني معذور بسبب الضغط العصبي الذي وقعت تحته وأنا أواجه بمفردي أعتى جماعة إرهابية في العالم، حالفين أغلظ الأيمانات بأنني عبقري في اللغة العربية وبفضلي يحصلون على أعلى الدرجات فيها، وأنه لو تم وضع أتخن تخين في مكاني لأخطأ كما أخطأت، بعضهم اختار إنكار ما حدث وأقسم على وجود فبركة الكترونية تكلفت الملايين لتحريف صوتي لأنهم سمعوني من قبل أرتل القرآن وأنا أؤمهم في الصلاة ورأوا كيف أنطق كلام الله دون أخطاء، في حين كان بعضهم أكثر حنكة حين اختار أن يلوم كاتب المحكمة الذي قام بكتابة نص الحكم على الكمبيوتر فأخرجه في نسخة مليئة بالأخطاء التي سببت لي تعثراً في القراءة، وبالطبع لم أتدخل في اجتهادات أحد منهم، بل أسعدني أن يتبارى كل منهم في الدفاع عني بالطريقة التي يحبها، لكنهم لو سألوني والله لقلت لهم إنهم يضيعون وقتهم فيما ليس له لازمة، وأنهم لو كانوا يدركون الواقع جيداً كما أدركه، لفهموا أنه لا خطر من كل ما نعق به الناعقون، الذين يزعمون الحزن على اللغة العربية التي يقولون أنني هتكت عرضها، وأن كل ما يهم من يملكون إبقائي على منصتي من حماة الوطن هو: منطوق الحكم وليس طريقة نطقه، عدد أحكام الإعدام والمؤبد والأشغال الشاقة التي تردع المارقين وتربي العصاة، وليس عدد الأخطاء اللغوية التي ربما انشغل بها سيبويه أو الخليل الفراهيدي، وهما لحسن الحظ لا يحكمان البلاد

(3)
سيستغرب الأولاد لو قلت لهم إن أكثر ما أزعجني فيما تم نشره عن طريقة نطقي، هو نظرات الضيق التي وجّهها عضو اليمين إليّ حين تعثّرت في القراءة، والتي جعلتني أمسح به الأرض فور رؤيتي للفيديو، ثم فور رؤيتي له في المحكمة، ففهم الدرس جيداً، وأصبح يظهر في كل الفيديوهات بعدها، وهو ينظر في الفراغ، لكي لا تصدر عنه أي نظرة تضايقني، المشكلة أنني زودتها يومها حين سألته بغضب: هل يستجري أن يسدد تلك النظرات المتبرمة، لو كان الجالس إلى جواره عبد الفتاح السيسي، وهو يتعثر في قراءته للحكم كما يفعل في خطاباته المكتوبة، قبل أن أُعدِّل من نبرتي لأقول إنه إذا كان سيادة الرئيس بجلالة قدره، لا يجيد قراءة اللغة العربية على أكمل وجه، برغم أنهم يخصصون له مدربين يقضون معه الساعات الطويلة لتعديل نطقه، فهل كثير علي أن أخطئ فيها وأنا الأقل منه مقاماً وقامة.

وبعد أن هدأ الموقف قلت له ممازحاً: يعني هل كانت اللغة العربية من بقية أهلك لكي يضيق صدرك من أجلها؟ فأقسم لي أنها لا تفرق معه ببصلة، وأن كل ما كان يفكر فيه لحظتها هو أن المواقع والقنوات الخائنة يمكن أن تستغل ما حدث للسخرية من شخصي والطعن في شموخ القضاء، فشكرته على وطنيته، وشرحت له نظريتي في التعامل مع ما ينشره عنّا الإخوان وكلابهم من الخونة وأننا لا يجب أن نهتم بما يقولونه طالما ظللنا قادرين على تحقيق إرادة الرئيس القائد في سحقهم لتسير مصر في طريقها نحو غد أفضل، فهجم على رأسي مقبّلاً ليشكرني على تلك النصيحة القيمة التي ستغير مجرى حياته، ثم طلب مني أن أزيد من أخطائي في القراءة في الحكم القادم، ليزدادوا طعناً وشتماً، فنزداد عند صانع القرار قدراً ومكانة، ومع أنه تكلم بطريقة شممت فيها رائحة سوق الهبل على الشيطنة، إلا أنني لم أحبّكها، بل طلبت منه أن يفرغ نفسه ليلة كل حكم، ليقضي معي وقتاً أطول نتدرب فيه على قراءة منطوق الأحكام، وحين استغرب تعارض ذلك مع ما سبق أن قلته له قبل قليل، قلت له إن شتائم الإخوان ولعناتهم لن تهدأ حتى لو نطق بالأحكام عباس العقاد ذات نفسه، وأنني أرغب في تحسين نطقي لأكون قدوة حسنة للأولاد، لأنهم سألوا أمهم عن جدوى وجع الدماغ في تعلم اللغة العربية إذا كان بابا لم يحتج إليها لكي يصبح قاضياً قد الدنيا.

(4)
حدثتني نفسي بعدها أنني ربما تماديت في ثقتي به بعض الشيئ، وأن ما قلته له ربما تم رفعه محرّفاً في تقرير إلى الجهات السيادية بشكل قد يثير غضبها عليّ، لكنني لعنت نفسي الموسوسة المنشغلة بالتوافه، والتي لم تدرك بعد "زتونة الموضوع" برغم كل ما جرى حولها، وذكّرتها بما سبق أن وسوست به إليّ، حين لامتني على ما قمت به حين سمحت لإرهابية مرميّة في القفص بأن ترى أهلها، وحين طلبت منهم أن يحضروا كرسياً لكي يرتاح عليه أحد الخوارج الملاعين أثناء الإدلاء بإجاباته على أسئلتي، منبهة إلى ما أحدثته قرارات عادية كهذه، من بَلبَلة في أوساط المواطنين الشرفاء المحبين لبلدهم والخائفين عليه من العملاء والخونة، ليتساءل بعضهم عما إذا كنت من الخلايا الإخوانية النائمة التي اخترقت جسد القضاء الشامخ.

لا أنكر أن ما قالته لي نفسي اللعينة قد هزني بعض الشيئ، خصوصاً حين ازدادت حدة التعليقات التي لم تعد متشككة بل صارت غاضبة ومنحطة، وتكرر السماح بنشرها في عشرات المواقع التي يفترض أنها محكومة ومراقبة جيداً، فارتبكت لبعض الوقت، ولم أعد أدري هل أفلتت تلك التعليقات من أعين الرقابة، أم أن من سمح بنشرها يرغب في توجيه رسالة واضحة إليّ، ولذلك كان لا بد أن يطمئن قلبي، فأجريت اتصالاتي مع من أستمد منهم راحة قلبي وطمأنينته، لأجد أنهم أكثر وعياً بما أفعله حتى من نفسي التي بين جنبيّ، وأنهم بكل ذكاء هنأوني على "التاتش" الذي أضفته للمشهد القضائي، والذي كان يحتاجه بشدة، بعد كل التلبيخ الذي قام به الزميل ناجي شحاتة وغيره ممن يتبعون سياسة الحفر على الناشف، ربما لأنها تمتعهم أكثر، لكنهم سببوا بذلك شوشرة لا أقول أنها تؤثر أو تقلق، فأنا أعلم أن لهذا النوع من الأداء زبائنه ومعجبوه في الجهات العليا، لكنني كما قلت مداعباً لنفسي: أفضّل استخدام المراهم والكريمات، ما دامت ستوصلني إلى نفس النتيجة في نهاية المطاف، ولذلك أحمد الله أن لدينا رجالاً مثل الذهب يعرفون أقدار الناس، ويسمحون لهم بالاجتهاد طالما كانوا ملتزمين بتحقيق النتائج المرجوة التي يتوقف عليها مصير البلاد.

تذكرني نفسي التي يتملكها القلق أحياناً، بأولئك البلهاء الذين لا زالوا يَهرون ويَنكُتون حزناً على جلال اللغة العربية وأسفاً على شموخ القضاء، وينسون أن كل كلماتهم لن تغير شيئاً من حقائق الواقع، ولن تنفي أن هناك أحكاماً على المتضررين منها أن يجتهدوا لنقضها، أو يجثوا باكين على أقدام الدولة لترفعها عنهم، وأن سخريتهم لن تضحك أهالي أولئك الخونة الذين ستضيع أعمارهم في السجون، في انتظار نقض لن يحصلوا عليه، وبراءة لن ينالوها إلا إذا أرادت الدولة المصرية ذلك، وغاية ما هنالك أن تلك السخريات الجعجاعة والبكائيات الرنانة ستشعر الحمقى بالرضا الوقتي عن أنفسهم، لأنهم قادرون على انتقاد القضاء والحط من شأنه، لكنهم صدقني لن يشعروا بذلك الرضا، حين تأتي بهم الداخلية مثل الفراخ لترمي بهم في السجن تطبيقاً للقانون الرادع الذي سيطاردهم حتى في حساباتهم الشخصية، ليندموا على كلماتهم، حين يواجههم بها زميل من الزملاء الأعزاء الذين سيفعلون كل ما بوسعهم، لكي تضرب الدولة بيد من حديد على أيدي كل الخوارج، الذين لا زالوا يتصورون أن الدولة في عهد الرئيس القائد عبد الفتاح السيسي يمكن أن تهمها الشكليات البلهاء التي كانت تهم الأنظمة السابقة، التي لم يذهب بها في ستين داهية، سوى أنها شغلت نفسها بما هو أهم من بقاء الدولة قوية باطشة بكل من يفكر في هز شعرة في رأسها.

(5)
قبل أيام زارني واحد من أقرب أقاربي إلى نفسي، وبعد أن لف ودار في الكلام، وأخذ مني الأمان بدل المرة ألف مرة، اتضح أنه جاء لينبهني إلى فضيحة مزعومة تتناقلها مواقع الخوارج عني، مستدركاً أنه يعلم أن هؤلاء الملاعين يكذبون كما يتنفسون، لكنه يخشى أن يستغل حُسّادي والحاقدين علي ما يتم نشره، فيقوموا بتشويه ثوبي ناصع البياض، وأنني يجب أن أتقدم ببلاغ رسمي ضد هؤلاء جميعاً، لأطلب من صقور المخابرات المصرية البواسل تعقبهم خارج البلاد، واصطيادهم واحداً تلو الآخر، ليعودوا إلى مصر في توابيت كالتي يعود فيها الجواسيس.

ولأنني كنت يومها رائق المزاج فقد قررت أن ألاعبه، لأقول له بجدية إنه ليس غريباً، ولذلك علي أن أعترف له أن الفضيحة التي أشار إليها ليست مزعومة، بل حقيقية مليون في المائة، وحين امتقع وجهه، عاجلته بالمزيد قائلاً إن ما خفي من فضائحي كان أعظم، وبعضها موثّق بالمستندات ومُسجّل بالصوت والصورة على سيديهات، وأنني سأمنحه حق الإطلاع على بعض تلك المستندات والسيديهات لكي يتأكد بنفسه، وقبل أن يغمى عليه من الذعر، حين وجدني أقف متجهاً نحو مكتبي، عدت لأجلس إلى جواره، ثم طلبت منه أن يخبرني بتاريخ وقوع الفضيحة التي تحدث عنها لأن ما قاله ينطبق على أكثر من فضيحة قمت بها، فقال والكلمات تخرج من فمه بصعوبة أنهم يقولون أنها وقعت في دولة عربية في نهاية السبعينات وقبل أن ألتحق بسلك القضاء، فقلت إنني مستغرب لأنهم لم يتنبهوا إلى الفضائح التي وقعت أثناء عملي في القضاء، وهي أهم وأخطر.

وقبل أن يغمى عليه من فرط الذهول، عاجلته بسؤال كاد يوقف قلبه عن النبض: "ألا قل لي صحيح، هل أفهم من كلامك أنك تتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي بالخيانة العظمى والتفريط في مصالح البلاد؟"، وحين كررت السؤال بشخطة أعلى كالتي هبشت بها المذيع إياه، فوجئت به وقد قفز من كرسيه، واتجه جارياً نحو صورة الرئيس المعلقة في صدر الصالون، وأخذ ينهال عليها تقبيلاً، وهو يحلف بالأيمان المغلظة أنه أغلى عنده من أمه وأبيه، وأن ما جاء به إلى هنا من البلد هو محبته للسيسي وخوفه على مصر، وحين سألته معاتباً: "أمّا أنا فلا خاطر لي عندك يعني؟"، فارتبك وتلجلج، ولم يجد ما يقوله سوى أن يعود جارياً لينهال على يدي تقبيلاً، وهو ما جعلني أنفجر في ضحك لم أتمكن من إمساكه، أعاده ثانية إلى ذهول لم يختبر مثله من قبل.

صالحت أخينا بكوب شاي وقطعة جاتوه، وشرحت له أنني كنت أريد أن ألقنه درساً مهماً، لكي لا يضيع وقته بعد ذلك في تفاهات لا تقدم ولا تؤخر، وقلت له إن عليه أن يطمئن إلى أن دفة هذا الوطن ممسوكة جيداً ممن يعرفون قدره، ولذلك ليس عليه أن يقلق أو يحزن لشأني، إلا إذا جاءه خبري، وقبل أن يواصل دعواته المتدفقة بالصحة وطولة العمر، قلت إنني أقصد خبر رحيلي عن منصة القضاء، وهو بالنسبة لي موت أشد فتكاً وإيلاماً، وأن عليه أن يدرك أنني طالما ظللت باقياً على المنصة، ولم أرحل عنها إلا إلى منصة أعلى أو موقع أهم، فأنا بخير مهما قالوا عني، وأنا نظيف اليد طاهر الذيل، وإن أظهروا لي أحط الفضائح المصحوبة بالمستندات والسيديهات.

ولكي لا يبرد شايي، تركته يبعبع لعله يهدأ من التوتر الذي وجد نفسه فيه، فأقسم لي إنه قال هذا الكلام بحذافيره لمن طلبوا منه أن يأتي للحديث معي، وأنه قال لهم بعلو صوته إن الإخوان الخونة لو كان لديهم فضائح حقيقية ضدي، لاستغلوها خلال فترة حكمهم وأطاحوا بي، وأنني أشرف من الشرف وأطهر من الطهر، وهنا قررت أن أتسلى به من جديد، فقاطعته قائلاً أنني سأعترف له كأخ عزيز، بأنني بعد وصول الإخوان إلى الحكم مباشرة، ذهبت إلى مكتبهم في المقطم وقدمت نفسي لمكتب إرشادهم، وعرضت عليهم أن أنضم إلى تنظيمهم، وقلت إني مستعد لخدمتهم بكل ما أملكه، وأنني كنت أحلم منذ أن عملت في القضاء أن يأتي اليوم الذي يتسنى لي فيه أن أقتدي بهدي الحبيب عليه الصلاة والسلام فأطلق لحيتي وأحفّ شاربي، وأنني أحفظ عن ظهر قلب بعض رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، بل وفكرت في إطلاق اسمه على أحد أبنائي لكنني خفت من بطش أمن الدولة، وأنهم أكبروا لي ما قلته ووعدوني خيراً إن استقر لهم الأمر في الحكم.

بعد أن ارتسم الذهول على وجه أخينا، تبدد قليلاً بابتسامة خجلى، سألني بعدها ما إذا كنت أمازحه كما فعلت من قبل، فقلت إن الموضوع ليس فيه شبهة هزار، وأن كل ما أحكيه له ليس أمراً غريباً على الإطلاق، لأن دور القاضي كما أفهمه، هو أن يعمل في خدمة الدولة التي أقسم اليمين على حماية مصالحها، والتي يمثلها من يصل إلى الحكم، وأنه لا يرضي بذلك ولي الأمر فقط، بل يرضي الله تعالى، لأنه بما يصدره من أحكام يتفق عليها مع الدولة، يساعد ولي الأمر الذي أرادت عناية الله أن يصل إلى الحكم، فينال ثواباً لا يدانيه ثواب مع كل حكم يصدره، وأن من يتصور أن القضاء يعني مناكفة ولي الأمر ومعاندته وجعل مهمته في الحكم أصعب، سينال في يوم الحساب عقاباً لا يدانيه عقاب، لكونه من المفسدين في الأرض الذين يستحقون أن يُصلبوا وتُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأن على الإخوان أن يلوموا أنفسهم لأنهم لم ينجحوا في السيطرة على مقاليد الحكم ، بدلاً من أن يلوموه هو وزملائه، الذين يجب أن يتذكر الإخوان أنهم يطبقون شرع الله، حين ينصرون الحاكم المتغلب المتقلد بسيف الله.

وحين شعرت أن أخينا المسكين تاه مني على الآخر، ولم يعد يفهم أنا مع من بالضبط، صمتّ قليلاً وأخذت شفطة كبيرة من كوب الشاي، ثم سألته بتجهم عن أسماء الذين طلبوا منه أن يأتي إلى الحديث معي، وأنني أرغب في أن يقوم بكتابة عناوينهم وأرقام تليفونهم، لأطلب من الداخلية اعتقالهم على وجه السرعة وتحويلهم إلى النيابة العسكرية لأنهم لا يثقون بدرجة كافية في الدولة المصرية، وهنا نزل عليه سهم الله، ولم يعد يمتلك حتى رفاهية الارتباك، وحين تخيلت أنه ربما عملها على روحه وزروط الدنيا، انفجرت في الضحك مجدداً، ولولا أن كثرة الضحك تزعج نفسي الأمّارة بالقلق أحياناً، لقضيت باقي ليلتي أتسلى عليه، لكن صلة الرحم جعلتني أطلق سراحه، وأطلب منه الانصراف على وجه السرعة، لأني على موعد مع درس خصوصي لتحسين أدائي في اللغة العربية، فلا ضير في نهاية المطاف من بعض الرتوش، لأن الله جميل يحب الجمال.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.