أبو الجود تحرر من النحس

أبو الجود تحرر من النحس

11 سبتمبر 2018
+ الخط -
قال لي أبو الجود إن النحس الذي لازمه في حياته كان متشعباً ولذلك كانوا يقولون "نحسه جَطَلْ" وكلمة (çatal) التركية تعني الشوكة المتشعبة التي تستخدم للطعام. والدليل على أن نحسي متشعب، هو أن النساء كن يهربن مني، رغم وسامتي، والمال لا يقف في جيبي، ولم أتمكن من متابعة دراستي، وفي المحصلة أنا لم أنم ليلة في حياتي مسروراً مرتاحاً أفكر في شيء مفيد.

أذكر أنني حدثتُك عن زيارة السيدة ميساء، المشهورة بجمالها وغناها لي، وكيف أني هربت منها. وتتمة الحكاية هي أن ميساء استمرت بالبحث عني. وبسبب إصرارها على مقابلتي جاءت إلى مكان عملي في الدائرة الحكومية، وبعد التحية والسلام والتي واللتيا، أفهمتني أنها لم تزعل مني لكوني قد هربت منها في المرة الماضية، وعفا الله عما مضى.

قلت لها: أشو بتريدي مني يا ست ميساء؟
قالت: بصراحة أنا عندي ست دكاكين ورثتها عن زوجي المرحوم، ولما أردت أن أبيع إحدى هذه الدكاكين تبين لي أنها تحتاج إلى معاملة (تصحيح أوصاف)، وأنا أريدك أن تقوم أنت بهذا العمل. وحتى ما تظن أنت، أنني أريد أن أستغلك، سأوضح لك أنني سأدفع لك، بعدما تنتهي من إنجاز المعاملة، مبلغاً جيداً.. أنا أعرف كل شيء عن وضعك المادي (المزفت) لذلك قررت أني أعطيك فوق أجرتك إكرامية محترمة.

قلت لأبي الجود: والله هذا أحسن عرض يمكن أن يُقَدَّم لرجل منحوس، ونحسه من النوع الـ(çatal)!
قال: ولكن يبدو أن هذا النوع من النحس يمتاز بالشمولية والتكاملية والتسلسلية، بدليل أنني اشتغلت المعاملة التي طلبتها مني السيدة ميساء، وجلست أنتظر حتى تأتي إلي في البيت أو في الشغل لتدفع لي أجرتي مع الإكرامية ولكنها لم تأتِ.

قلت له: اذهب إليها أنت.
قال: هذا ما حصل. ذهبتُ إليها، وقرعتُ جرس الباب، فخرجت لي الخدامة الخاصة بها، وأوقفتني عند الباب، وبعد أخذ ورد ومراسلات أطول من مراسلات الشريف حسين العربي مع السير مكماهون الإنكليزي، وافقت على إدخالي إلى حيث تجلس، في حديقة المنزل، وبمجرد ما رأتني صارت تهلوس.
قلت: كيف يعني تهلوس؟

قال: قالت لي.. أهلاً أبو عمران! (مين أبو عمران؟) جيت بوقتك. بدي أحكي لك عما حصل معنا بعدما عَصَرنا الحصرم وسكبنا العصير في الزجاجات والقناني، ووضعنا على سطحه قليلاً من الزيت والثوم..

وأنا أمسكت الزجاجة وكنت على وشك أن أكرع منها كرعتين، وإذا بولد في السابعة من عمره تقريباً يصيح من الأعلى (دخيلكم أنقذوني)، نظرت فوجدته متمسكاً بحافة السطح، بينما يتدلى جسمه إلى الأسفل باتجاه الشارع وركض الناس وأحضروا بطانيات وفتحوها وصرخوا به أن انزل لا تخف. ولكن الولد فاجأنا بأنه تمكن من العودة إلى الأعلى، ثم تدلى مرة أخرى وصار يصيح "أنقذوني" وكأنه يريد أن يلعب..


سكت أبو الجود، وانفلت بالضحك وقال: هذا ما حصل حينما كنت على وشك أن أتخلص من النحس. فتأمل!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...