فلتسقط كندا الإخوانية المتآمرة

فلتسقط كندا الإخوانية المتآمرة

09 اغسطس 2018
+ الخط -
الخبر مثل الغواية، يطاردك وإن هربت منه. لست دائما منتصرا على السطحي والمفجع منه، مهما تحصنت. وهل من خبر أفضل من مذكّرنا بحالتنا المنفصمة، بمعنييها، في علاقة بعضنا مع كندا، والغرب عموما؟

وأنت تهرش رأسك فجرا، تستعيد مخططك المسائي، قبل لجوئك إلى كتاب أو "عالم الحيوان"، يتنطنط في وجهك عناوين خبرية كالغواية.

أتخيل مثلا أن رئيس تحرير صحيفتنا، "العربي الجديد"، كتب ينكر فضائل الثورة الفرنسية على الفرنسيين، أو ينكر حرية الصحافة والرأي والتعبير في بريطانيا، أو يذكّرنا بـ"المؤامرة الكونية"، في ثورات الشباب العربي.

ولأنني لست معجبا بنصف رؤساء تحرير الصحف العربية، حتى تلك التي تدّعي "ممانعة ومقاومة"، لأسباب مهنية خاصة جدا بي، فإن شيئا أثارني، كالغواية، فجر 8 أغسطس/آب، مع مزيد من خوف وقلق على عقل عربي ينقاد كالقطيع بمرياع بلا جرس، في درس التطبيل الأجوف في هراء "قيل.. يقال".

خراريف "صاحبة الجلالة"، تمسح الأرض بالسلطة الرابعة، وتجعلك تبحث عما بقي من رأسك المهشم أصلا بـ"القومية وحب الأوطان".. في جاهلية أولى..


ففيما الزميلات والزملاء، في هذه الصحيفة، يلاحقون على كل هفوة، أو سقوط بالسهو، عن مصدر ونسب التصريح والمعلومة، تجد نفسك أمام تقارير تلفزيونية وكتابات وتغريدات تريد أن تقنعك وتقنعني بأن كندا "متخلفة".. بباروميتر مزارع أولياء النعمة.

كيف ذلك؟
تقمع الحريات والأقليات، وسجونها كالمسالخ، تهضم حقوق النزلاء بـ5 دولارات يوميا فقط.. أي والله هذا محتوى مختصر لتقرير متلفز.. مضاف إلى هراء "رئيس التحرير" من جيل "نصر الله شارون.. وبوش".

بالمناسبة، وقبل أن أكمل، لا أحد يتحمل مسؤولية كلامي هذا سواي.. لا شلة ولا عشيرة ولا قبيلة.. لتشحذ وتشهر سيوف الانتقام في وجوههم..

لكن حقا، أي انفصام نعيشه؟
سأروي، بالتزام أخلاقي، ما رأيته من الكنديين، سكانا أصليين ومهاجرين بيضا، علّني أشفي نظري ودماغي من التلوث الصباحي.

على متن "أسطول الحرية"، المتجه إلى غزة المحاصرة، والتي يُدعى لهزيمتها من مريدي "ولي النعمة"، وأشباهه، ما وجدت واحدا من قوم "العروبة الجديدة"، الداعية لنتنياهو من جدة والرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة بالانتصار.. لكنني رأيت أفواجا من "إخونجية من كندا وأميركا".

رأيت شبابا وكهولا، بعضهم يضع بتجربته لامبدئية رؤساء تحرير صحف وقنوات في جيوبهم الصغيرة، ليس فقط في الموقف من فلسطين، ليبحروا وسط بيئة يتأفف منها كل الرهط، بل لما يرتبط بكل قضايا الإنسان، من دون انتقائية وعنجهية "منا ومنهم".

دعك من كل ذلك، فستقول لي إن من نطق بعشقه للمحتل لا يعبر سوى عن نفسه. جيد، فهل سمعت يوما استدعاء "الخبير والجنرال المطبع"، أو "الباحث"، الفرح بلقاء على تلفزة صهيونية، وأي من الذباب المتمني فناء فلسطين، والناعق كرها وغلا ضد "أولى القبلتين"، في سبيل "إسلام مودرين.. خانع مستسلم"؟ كاستدعاء سمر بدوي وأخيها رائف.

أيضا دعك مما سبق فستعتبرني أتدخل فيما لا يعنيني.. رغم أنه ما عندي برج لتهددني بتفجيره.. لكن، كيف لي ولك أن نصدق كذبة بحجم أن "الإخوان المسلمين.. وقطر" يسيطران ويقودان كندا؟..

بسيطة جدا، فإذا اقتنع البعض بأن الكوارث كلها.. من "ضياع الأندلس" وفقدان جرة الغاز إلى انقطاع الطمث بسبب حكمهم عشرة أشهر، فلن يكون غريبا أن يردد القطيع: "ماع.. ماع".

على كلٍ، "كندا الإخوانية - القطرية" يا فطاحل "الإعلام" إليها حج اللاجئون والمظلومون من ديار العروبة والإسلام.. وإليها تلهث أفواج قبائل وشلل حكام للاستشفاء والعمليات الجراحية، ووضع مواليد بحثا عن جنسية.. وإلي جامعاتها يحج الطلاب، بعد أن أصبحت جامعات بعضنا في ذيل القوائم، ينهشها التزوير والفساد.. وتلك ليس "قيل ويقال"، هي في بيانات "ولي النعمة" في قرارات الفجر.

من عجائب الزمن الشعبوي العربي أنه متقدم سنوات ضوئية عن الغربي، دونا عن الشعارات الأخرى، الرنانة. فمثلا، الحزن على "الحريات" والنساء و"السجناء" في كندا، يضطرك للسؤال: أهؤلاء يتحدثون عن بلادهم أم عن دول لم تنشأ بعد؟.. فقد يظن الكندي أن سجونـ"نا" العربية كلها ريتزكارلتون، فيغار جدا.. لأن بعضـ"نا"، في منسوب ذكاء منقطع النظير، يخبرهم: سجونكم هي التي تضع أرقاما على جباه المقتولين تعذيبا.. والسفاح بشار الأسد هو جاستن ترودو..

فهل حقا يصدق رئيس تحرير تلك القناة، المتخم بوجبات حرية لندنية، هراء السيوف الخشبية؟

يذكرني هذا الرهط يوميا بأسباب عشقه الاستبداد والديكتاتورية.. فخلف ميكروفونات "الانتصارات"، ولا فرق بين جمهوملكي وملكي أو أميري، ثمة تلاق، بين "لاعقي بلاط هؤلاء وهؤلاء" في تسويقهم أولياء نعمتهم بحلة بطولية، مطلقة الانتصار تارة، ونبوية في أخرى، وإلهية في ثالثة..

ويبدو لي أن هؤلاء لا ينقصهم، بعد كل "دروس الديمقراطية والحرية"، التي وجهها اللاعقون والناعقون في الشام وبيروت، لسفاح أوصل شعبه إلى كندا نفسها، سوى دعوة مديري ورؤساء تحرير وسائل إعلام الغرب لأخذ دروس مهنية على وزن: يقال.. وقيل إن كندا وصلها أسلافنا قبلكم.. وكل تطوركم وتقدمكم بفضل تجارتنا معكم.. منكم نشتري القمح.. ولا نزرعه.. والنسيج لا نحكيه.. وإليكم نبعث الآلاف لتعلموهم.. تاركين جامعاتنا لزيادة سجوننا.. فشعوبنا مجرمة.. رغم أننا باسم كرامتها وسيادتها نطلق النار على أرجلنا.. ومثلها نفعل للعلاج.. رغم أننا نتغنى بمدننا الطبية.. التي نستورد لها منكم من الإبرة حتى الطبيب.. ومنكم نشتري كل صغيرة وكبيرة من التقنيات.. من الحاسوب إلى الطلقة والمدرعة والطائرة.. رغم أننا من أحفاد ناشري العلم ومترجميه.. ونوقف رحلاتنا الجوية إليكم.. ومنكم.. وسينهار "دولاركم" أمام عملاتنا الحديدية.. إلى آخره من دروس ابتلى بها المواطن العربي منذ سؤاله عن كرامته ومستقبل أطفاله.

فليسترح الزملاء بقسم الاقتصاد في "العربي الجديد"، جهودكم لبث المعرفة بالأرقام تمسحه في دقائق حملة "هياط الهستيريا الجماعية".