غدر صديقة!

غدر صديقة!

06 اغسطس 2018
+ الخط -
عدنان حمدان، الابن الثالث عشر لوالدته نجمة الخلف التي خلّفته وهي منهكة القوى، في الثامنة والأربعين من عمرها، التي تحمّلت خبثه، و"رزالته" على مضض، أثناء رعايتها له.

لم يكفّ عدنان، الذي يسكن مع والدته وأخوته، في بيت يتألف من ثلاث غرف طينية مبنية من الحجر الغشيم، عن التدخل في كل شاردة وواردة، وبصورة خاصة، مع شقيقته شمس، ابنة الأربعة والعشرين ربيعاً، الشابة الحسناء، التي فاتها قطار الزواج، كما يُخيّل إليها.

عدنان، هو آخر العنقود، لم يتجاوز بعد الاثنين والعشرين عاماً، وبدت عليه علائم الغيرة، والضيق من تصرّفات شقيقته شمس التي عرف أنها على اتصال بالأستاذ سالم العبدالله، معلم المدرسة الوحيد الذي جاء القرية التي يقيمون فيها من مدينته المبعدة، وأهله وحدهم الذين كانوا يهتمون به، ويقومون على خدماته، وتأمين متطلبات معيشته.

لم يرقَ لعدنان تصرفات شقيقته المسكينة، بعد أن عرف كل شيء، وعرّته الأيام، وعرف بها أهل القرية، ولم يصدق أن أتى العام الدراسي على نهايته لوضع حد لهذه العلاقة التي شابها بعض اللغط، وتحمّل ذلك على مضض، وكتمه في صدره.

وبعد مرور نحو شهر على بدء العطلة الصيفية، تمكنت شمس من معرفة مكان المعلم سالم، وهو الذي يقيم في المدينة، التي تبعد عن القرية التي يعلّم فيها حوالي تسعين كيلومتراً، لدى أبناء عمومته، وحاولت جاهدةً الاتصال به من خلال كتابة رسالة أرسلت بها إليه مع صديقتها أسرار، التي تربطها بالمعلم صداقة قديمة، وإنما فاترة، وهذا ما جعل شمس تثق بها أكثر، ما دفع بها إلى أن صدّقت ما قالته عن المعلم، وهي الأخرى تحاول كسب ودّه إلى جانبها، ولمَ لا مادام أنّها أهل للزواج، ولماذا شمس وحدها، فأرادت أن تلفت نظره إليها، والأمل هو الزواج منه، وهذا ما أخذ يراود أفكار أسرار صديقة شمس، التي وثقت بها وأعطتها الرسالة لتقوم بدورها بإيصالها إلى المعلم سالم.

بعد أيام من تسليم شمس الرسالة إلى صديقة الطفولة، ومغادرتها القرية باتجاه المدينة، ولقاء المعلم سالم، خطر بالبال خاطر، وسألت نفسها: لماذا لا أقوم بتسليم الرسالة التي أرسلتها معي شمس إلى عدنان، وأخبره بالعلاقة التي تربطهما، أو تمزّقها وترمي بها في الطريق؟

التقت أسرار صدفةً عدنان، وأكدت له أن شمس على علاقة حميمية، مع سالم العبدالله، معلّم المدرسة.

أعلمته أن شمس حاولت مراراً إرسال أكثر من رسالة إلى المعلم سالم عن طريقها إلا أنّها رفضت ذلك احتراماً لعلاقة الصداقة التي تربطها معها، وخوفها عليها من أن تنجر إلى فعل أشياء لا تُحمد عقباها، وترتكب خطأ لا يمكن الإفاقة منه طوال حياتها.

غلّظت أسرار قلب عدنان على شقيقته البريئة التي كانت تكن لها كل الوفاء والإخلاص والاحترام. فكّر عدنان ملياً، للوصول إلى حل نهائي يحد من هذه العلاقة، قبل أن تتفاقم ويفتضح أمرها.

وبعد مضي أيام، وبمساعدة أسرار، صديقة شمس، خطر بالبال خاطر، وأخذ يتساءل، وهو كيف يمكن الإيقاع بشمس ويتخلص منها بصورةٍ نهائية، خشية أن يفتضح أمرها مع المعلم سالم، وان كانت علاقة طاهرة وشريفة، وفيها الكثير من الصفاء والحب الخلي، ومن طرف واحد؟

هذا الخاطر، سلخ عدنان عن جلده، ورمى بكل الحقد والبغض الذي بداخله، مفضلاً الانتقام من شقيقته العفيفة الطاهرة القلب والنية، التي فكرت لمجرد التفكير بمستقبلها، والارتباط بمعلم المدرسة الذي أحبته، وهو بالمقابل لم يكن يحمل لها إلا الوفاء والطيب، ولا علم له بحبها المطلق.

وفي هدوء تام، اتفق عدنان مع أسرار، على أن تقوما بزيارة صديقتهما نوال المقيمة في أطراف القرية على أن تكون الزيارة في ساعة متأخرة من الأسبوع الأول الذي يلي الشهر القادم، وساقها قدرها إلى حتفها الأخير غير مدركة أن أجلها دنا، وبطريقة فيها الكثير من الغدر والخيانة، ومن مَن، من صديقة طفولتها الوحيدة.

تمكنت أسرار من سحب البساط من تحت قدمي شمس البريئة، حتى تكسب قلب المعلم سالم، واستطاعت أن تغير كل ما تحمله من حب حيال صديقتها التي تحوّل حبها لها فجأةً إلى كره أعمى!

لم تشعر أسرار أن شمس كانت من أخلص صديقاتها، وألطفهن معاشرة، وأحبّهن إلى قلبها، إلا أن الحب الأعمى لذلك المعلم دفعها إلى حتفها غير المعلن!

في تلك الساعة، وهما تسيران في الطريق باتجاه منزل صديقتهما نوال، وفي عتمة الليل، ظهر عدنان وبيده خنجره المسموم فلحقهما، وبعد أن تأكد منهما هجم على شقيقته، وبقوّة مصوباً خنجره في خاصرتها، فأرداها صريعة على الفور.

ولى هارباً، تاركاً شقيقته الطيبة الحنون في صورة ولا أبشع تنزف دماً، بينما صديقة طفولتها هربت في طريق آخر، وكان السبب المباشر في مقتلها الفوز بقلب حبيبها المعلم سالم، الذي لا حول له ولا قوة، بعد أن تلطخت يدها في هذه الجريمة، ورسمت فصولها، التي ارتكبت بحق صديقتها التي لم يعرف الخبث أو الحقد إلى قلبها طريقاً، بل كل ما تعرفه العفاف والعيش ببساطة، وكل ما كانت تأمله هو العيش مع ذلك المعلم الذي أحبته يوماً، ولكن لم يكن لهذا الحب أن يثمر، وأكملت فصوله صديقتها أسرار التي تسببت بمقتلها، والتي أرادت أن تعيش حياة زوجية آمنة مطمئنة مع من تحب، ولكن القدر كان أقوى من الجميع، فنال منها قبل أن تحقق رغبتها، الفوز بالزواج من ذلك المعلم الذي أحبته بصدق، ولم يكن يعلم يوماً بحقيقة حبها له، الذي ظلّ سراً، حتى أدمى القدر قلبها، وانهارت صريعة غدر صديقة خائنة!

دلالات

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.