محمود درويش... عاشق من فلسطين

محمود درويش... عاشق من فلسطين

04 اغسطس 2018
+ الخط -

يصادف في 9 أغسطس/آب 2018 ذكرى مرور عقد على رحيل الشاعر العربي الفلسطيني محمود درويش، الذي يعتبر من المساهمين في بناء الصورة الحديثة للشعر العربي، ليكون من الشعراء المؤسسين لمرحلة جديدة في كتابة القصائد العربية، فتميّز شعره بأسلوب كتابته المعتمد على القصيدة النثرية وشعر التفعيلة العمودي، كما شاركت قصائده في تشكيل الوعي العربي تجاه الأزمات التي واجهها العرب في القرن العشرين؛ من خلال تسليط الضوء على قضية من أهم القضايا العربية وهي القضية الفلسطينية. 

ارتبطت تجربة محمود درويش الشعرية مع طبيعة الحياة التي عاشها في طفولته، وتعرضه لمأساة اللجوء والنزوح عن قريته "البروة" إحدى قرى الجليل الفلسطيني التي دمّرها الاحتلال الصهيوني أثناء نكبة 1948، ويظهر تعبيره الجلي عن مأساته وحياته في أسماء دواوينه وقصائده الشعرية، فأطلق على ديوانه الأوّل اسم "عصافير بلا أجنحة"، ثم تبعه ديوانه الثّاني بعنوان "أوراق الزيتون"، وكتب قصائد ذات عناوين مؤثّرة، مثل أحن إلى خبز أمي، وأنا من هناك؛ لذلك من البديهي أن يلاحظ القارئ لدواوين وقصائد محمود درويش حرصه على اختيار عناوينها لتكون قريبة من أرضه، وتعبّر عن حُبّه لوطنه فلسطين.

لم تخل أغلب مؤلفات محمود درويش العاطفية أو السياسية من الإشارة إلى الوطن، سواء باستخدام عبارات وكلمات مباشرة أو غير مباشرة ضمن معاني ودلالات أبيات القصائد، فربط درويش هويته الفلسطينية مع أبياته الشعرية، ويظهر ذلك جليًا في عدد كبير من قصائده، لعلّ من أشهرها قصيدة "عاشق من فلسطين" المنشورة في عام 1966 بديوانٍ حمل الاسم ذاته، وجمع فيها بين تغزله بحبيبته الفلسطينية وتجربة النفي والسجن التي تعرض لها، ويقول في أحد أبياتها "أسأل حكمة الأجداد: لماذا تُسحب البيّارة الخضراء إلى سجن، إلى منفى، إلى ميناء/ وتبقى رغم رحلتها، ورغم روائح الأملاح والأشواق، تبقى دائمًا خضراء؟"

لو بقي محمود درويش على قيد الحياة حتى هذا الوقت، وشاهد كيف باتت حال فلسطين، ماذا سيكتب عنها؟ وكيف سيعبّر عن الجرح الفلسطيني الغائر في جسد العالم العربي؟ وما هي رؤيته للقضية الفلسطينية بعد مرور سبعين سنة على النكبة؟ وما تبعتها من نتائج لم تتوقف حتى هذه الأيام، وآخرها اعتراف الولايات المتّحدة الأميركية بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إليها متجاهلة الاستنكار العربي والدولي، والحراك الفلسطيني الشعبي، ومتجاوزة قرارات الأمم المتّحدة كأن لا وجود لها. يقول درويش في أحد أبيات قصيدة عاشق من فلسطين "كُلي لحمي إذا ما نمتُ يا ديدان / فبيض النمل لا يلد النسور.. وبيضة الأفعى يخبئ قشرها ثعبان"؛ وهكذا هو الاحتلال الصهيوني ثعبان يلتف حول خريطة فلسطين، ولكنه لن ينجح في زعزعة عزيمة وقوّة وصمود الشعب الفلسطيني.

أعتقد أن إجابات محمود درويش عن الأسئلة السابقة ستبدأ من سكب اللوم على جميع الفصائل الفلسطينية، التي لا تتفق حتى تختلف مرّة أخرى، كما سيحافظ على موقفه الداعم للشعب الفلسطيني المطالب بحريته وكرامته وحقوقه المشروعة، والحريص على انتمائه العميق إلى جذوره وهويته العربية، والذي عبّر عنه درويش في قصيدته المشهورة بعنوان "بطاقة هوية" التي يقول فيها "سجّل أنا عربي، ولون الشعر فحمي، ولون العين بُني، وميزاتي على رأسي عقال فوق كوفية".

رحل الشاعر محمود درويش وتوقف قلبه عن النبض، ولكن ستظلُّ قصائده باقية، فهي رسائل تحمل معها القضية الفلسطينية، وتؤكّد أن أرض فلسطين عربية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وتدعم آمال الفلسطينيين ممن يعيشون على أرض فلسطين أو غادروها مجبرين، بأنهم سوف يعودون إلى أرضهم مهما طال الزّمن، ليتحقق حلمهم الذي لم يكن إلا عيش حياة كريمة في وطنهم، مثلما قال درويش في إحدى قصائده واصفًا الحلم الفلسطيني "ونحن لم نحلم بأكثر من حياةٍ كالحياة".