حنا مينه... "نهاية رجل شجاع"

حنا مينه... "نهاية رجل شجاع"

30 اغسطس 2018
+ الخط -
رحل في 21 أغسطس/آب 2018 الروائي العربي السوري حنّا مينه الذي أضاف إلى المكتبة العربية مجموعة من الأعمال الروائية الخالدة، والتي عكس محتواها طبيعة الحياة الشعبية والقروية الفقيرة، واستمد مينه أغلب أفكارها من حياته في مدينة اللاذقية السورية، وقُربه من البحر الذي شكّل بيئة خصبة لمسيرته الأدبية، فكتب الواقع في روايات وصل عددها إلى قرابة الأربعين رواية، وجعلها ذلك تُصنَّف بين أهم الروايات العربية في القرن العشرين.

لم تكن بداية طريق حنّا مينه الأدبي مغطاةً بالورود، بل مرّ بعددٍ من المراحل التي شاركت في صقل شخصيته الروائية، منذ عمله بأي مهنة تتوفّر له، فعمل حلاقًا وموزعًا للصحف، وأصبح بحارًا يجوب البحر بواسطة القوارب والسفن، وانخرط في العمل السياسي، ثم صار كاتبًا للمقالات في صحف متنوّعة، ومن هنا يمكن القول إن طريقه بات يتجه للاستقرار في عالم الكتابة والصحافة، فكتب للإذاعة السورية مجموعة مسلسلات، وألّف عددًا من القصص القصيرة، وأخيرًا استقر فيه الحال كاتبًا للروايات.


نُشرت الرواية الأولى لحنّا مينه في عام 1954 بعنوان "المصابيح الزُرق"، وتوالت بعدها روايات كثيرة، مثل الياطر والشمس في يوم غائم والأبنوسة البيضاء، وحققت رواياته شهرة واسعة بين القرّاء؛ بسبب واقعيتها وأسلوب مينه في سرد أحداثها، كما حصلت بعض من رواياته على شهرة خاصة بها؛ بسبب تحوّلها إلى مسلسلات وأفلام، لعلّ من أشهرها رواية "نهاية رجل شجاع" التي تحوّلت إلى مسلسل تلفزيوني يعدّ من المسلسلات العربية المشهورة في القرن العشرين.

تتحدث رواية "نهاية رجل شجاع" عن حياة شخصيتها الرئيسية "مفيد"، وهو شاب طائش قوي الشخصية، يقحم نفسه في الكثير من المشكلات، ويعيش حياة متقلبة بين قسوة والده ومعلمه وحنان والدته التي ظلّت تحاول تقويم سلوكه، وعُرِفَ بلقب مفيد الوحش؛ بسبب قطعه ذيل حمار كتحدٍ ورفضٍ لواقعه، فيعاقبه والده على فعلته هذه بضربه أمام أهل قريته، وتدفعه جميع التقلبات التي واكبها إلى مغادرة القرية نحو المدينة، ويلتقي فيها بأحد أصدقائه الذي يساعده على بناء حياة جديدة، ولكن يحبس مفيد في السجن، وساهمت تجربته هذه في صقل شخصيته، ثم تتوالى الأحداث في حياته البعيدة عن الاستقرار ويتزوج من فتاة تدعى "لبيبة"، وتنتهي الرواية بانتحار مفيد.

استخدم حنّا مينه شخصية "مفيد" للدلالة على التناقضات في حياة الإنسان، والكامنة في الصراع بين الخير والشر داخل النفس البشرية، ومفيد ليس إلا مثالًا أراد مينه أن يوصلَ من خلاله رأيه حول هذا الصراع الذي يمثّل بدوره طبيعة من طبائع البشر، فشخصية مفيد البسيطة تدفعه مع قلّة إدراكه وفهمه إلى الدخول في صراعات أكبر منه، بالتزامن مع اندفاعه غير المدروس وتمسكه برأيه دون تفكير مسبق، وهذه الطبيعة تتغلب على إرادة الإنسان في بعض الأحيان.

أوصى حنّا مينه في عام 2008 بألّا يذاع خبر وفاته عبر أي وسيلة إعلامية، ولكن تغلب تاريخه وأدبه الروائي على وصيته، وأذيع الخبر عبر الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية وصولًا إلى شبكة الإنترنت، التي لم يتوقع مينه أن يعيشَ حتّى ينتشر خبر وفاته من خلالها، ويقول في وصيته المكتوبة بخط يده:" عندما ألفظ النّفس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألّا يذاع خبر موتي في أية وسيلة إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فقد كنت بسيطًا في حياتي، وأرغب أن أكون بسيطًا في مماتي".

استحق حنّا مينه أن يكون كاتبًا واقعيًا بامتياز، فهو الكاتب الذي لم يتردد في نقل الواقع وكتابته مثلما هو، دون تجميل أو تبديل أو تغيير؛ لذلك نجح بأن يعمّق علاقته مع النّاس والقرية والمجتمع والبحر، واستطاع خلال مسيرته في عالم الكتابة أن يُؤسس لأسلوبه الروائي الفريد من نوعه في مجال الرواية العربية عامة والسورية خاصة، وساهم ذلك في منحه لقب "شيخ الرواية السورية"، الذي استحقه عن جدارة لا جدال فيها، وبرحيله عن عمر ناهز الرابعة والتسعين تكون نهاية الرجل الشجاع قد كُتبت بالفعل.

دلالات