ماذا تعرف عن مرض (أبو الفَرْفَحة)؟

ماذا تعرف عن مرض (أبو الفَرْفَحة)؟

27 اغسطس 2018
+ الخط -
كانت جارتنا "أم صلوح" تشرح للممرضة في غرفة الانتظار أعراض المرض الذي تعاني منه وقد أطلقت عليه اسم (أبو الفَرْفَحة).. الممرضة لم تسمع بهذا المرض رغم أنها درست سنتين في مدرسة التمريض، ونجحت بتفوق، ثم اشتغلت سنتين بصفة ممرضة متدربة في المشفى الوطني، وهي تشتغل، منذ عشر سنوات، بصفة رئيسة لقسم الممرضات في مستوصف المدينة الغربي.

قالت الممرضة: يا حاجة أنا ما فهمت. إنتي على أيش تحكي؟
قالت أم صلوح: قلت لك صاير معي "أبو الفَرْفَحة". يمكن اسم هالمرض محروف شوي.
قالت الممرضة: محروف؟ كمان ما فهمت. شلون محروف يعني؟
قالت أم صلوح: قصدي أن الناس اللي بيصيبهم هذا المرض قلائل، منشان هيك أنت ما سمعت به. على كل أنا رايحة أحكي لك عنه.


وأخذت تشرح لها أن الإنسان، بموجب هذا المرض يكون جالساً، صافناً، في أمان الرحمن، وفجأة يشعر وكأن هناك عصفوراً دورياً واقفاً على الأرض يبحث بمنقاره عن حبة يلتقطها ليقتات بها، وفجأة يرى ولداً يحمل حجراً ويهم أن يضربه به، فيطير مذعوراً، وصوت هذا الطيران وحركة الأجنحة المفاجئة مثل الشيء الذي يداهم القلب فجأة، والإنسان الذي يفرفح العصفور في قلبه يهز رأسه، كرد فعل، مثل الدراويش الذين يبلغون الحالة ويقولون: حَيّ. الله حَيْ.

حينما التقطت جارتنا أم صلوح نَفَسَها قبل الانتقال إلى فقرة جديدة، قالت لها الممرضة:
- عن إذنك خالة. الدكتور رن الجرس، وأشعل لي الضو. يريدني.

وتركتها وذهبت مسرعة باتجاه غرفة الطبيب. ولكن أم صلوح لم تكترث لهذا الأمر. تقدمت من مريضة مسنة كانت جالسة بجوار الممرضة، وقالت لها:
- والإنسان المصاب بمرض "أبو الفرفحة" يصير مثل الثلاجة الكهربائية، من الخلف ساخن ومن الأمام بارد..

ضحكت المرأة العجوز، ولكن أم صلوح لم تكترث لضحكها، وحكت لها عن ابنها صالح الذي تدلعه باسم "صلوح" يوم دخل عليها وبيده سيجارة يبحث عن الولاعة، وكانت مصابة بمرض أبو الفرفحة فقالت له:
- تعال شعل سيجارتك من ظهري!
فأشعلها، وخلال ذلك أصاب يده نوع من الحروق فقالت له:
- وجهي بارد مثل الثلج. ضع يدك عليه.

فوضع يده على وجهها، والحمد لله زالت عنه آلام الاحتراق.
قالت العجوز.. طالما أنك حكيت لي عن مرض "أبو الفرفحة" أنا بدي أحكي لك عن مرض "يشعل ويطفي" الذي يصيبني منذ خمسين سنة..

وبدأت العجوز تحكي لأم صلوح عن مرضها، وأم صلوح تقاطعها أحياناً وتحكي لها عن حالات مماثلة.. ومر أكثر من ساعتين على هذه الحالة.. وجاءت الممرضة وقالت لهما:
- خلص دوام الدكتور.. روحوا هلق. تعالوا بكرة.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...