دفتر دين... قصة واقعية

دفتر دين... قصة واقعية

15 اغسطس 2018
+ الخط -
من مآثر صديقي أبو سلوم اختراع لغة خاصة به، وهي عبارة عن رسوم غير منتظمة، تتداخل فيها خطوط بالطول والعرض لا يمكن لغير أبي سلوم أن يقرأها أو يفهمها. وأبو سلوم يحب ارتياد "مقهى حمشدو" الواقع في زاوية ساحة البازار، ولكنه لا يأتي إلى القهوة إلا إذا كان متواعداً مع صديق يتمتع بصفتين متلازمتين هما امتلاء الجيب والكرم..

وله في ذلك فلسفة خاصة، إذ يقول: إذا كان هناك واحد غني وبخيل أنا أيش أستفيد من مرافقته؟ بالعكس، إذا الواحد يعيش في الحد الأدنى ومع ذلك (دَفِّيع)، أحسن من ذلك الغني بكثير.

ذات مرة اتصل بي، وقال لي: مانك مفكر تضيفني أركيلة (شيشة) مع فنجان قهوة وشي تلات كؤوس شاي في المقهى.
قلت له: حاضر.
قال: بيتك بعيد عن بيتي. لازم تمر علي بسيارتك، تاخدني وبعد الجلسة ترجعني.
قلت: تحت أمرك.

في المقهى، بعدما استلم نربيش الأركيلة، وصار يدخن مثل سيارة عتيقة، فتح دفتراً صغيراً وصار يقرأ فيه. سألته، ممازحاً:
- أشو هاد أبو سلوم؟ دفتر ديون؟

فضحك ضحكة هازئة وقال لي:
- نعم. أنا، متلما بتعرف، صاحب شركة تبيع بالآجل، وهاي أرقام كمبيالات مستحقة على الزبائن. هلق أعطيتهم مهلة أسبوع، واللي ما بيدفع خلال أسبوع أنا بحرك بحقه الدعوى، وبدحشه في الحبس. بتعرف بعد ما يدخلوا المديونين الحبس أيش بيصير؟

قلت: لا والله.
قال: كل واحد بيجوا لعندي أولادُه وإخوته وأخواته، وبيدفعوا لي مبلغ الدين، وأنا أرفض استلام المبلغ الأصلي وأقول: لازم تدفعوا لي المبلغ مع الفوائد. بيحلفوا لي أيمان أنهم مفلسين، وأنا أُعاند، فتنتخي إحدى شقيقاته وتتخلى عن سنارتها الذهبية وبتناولني إياها وتقول لي: هاي إسوارتي بيعها وخود الفوائد. وبالأخير يحن قلبي عليه، وبتنازل عن الدعوى.
قلت: أنت فهمتني غلط يا أبو سلوم. أنا توقعت أنك مسجل الديون المستحقة عليك في الدفتر!
ضحك مرة أخرى وقال: أنت غلطان يا صاحبي، أنا ما بسجل الديون المستحقة علي. تعرف ليش؟
قلت: ليش؟
قال: لأني أنا ما بدفع.
قلت متذاكياً: وإذا حدا اشتكى عليك، أنت ما بتهتم. بتعرف ليش؟
قال: ليش؟
قلت: لأن أختنا أم سلوم أكيد بتروح لعند اللي اشتكى عليك وبتتخلى عن أسورتها الذهبية منشان يطالعك.

ضحك بطريقة جعلت أنظار الزبائن كلها تلتفت نحونا وقال لي: أم سلوم؟
ثم توقف عن الضحك وقال: المشكلة لما أنا بحكي على أم سلوم أنت بتزعل.
وهَمَّ بقول شيء ما. ثم توقف. وقال لنادل المقهى: تعال بالله.
قال له النادل: ائمور أبو سلوم.
قال له: خود الحساب من عمك أبو المراديس.
قال النادل: عمي أبو المراديس دفع الحساب سلفاً.
قال له: روح من هون لكان.
تركنا النادل ومشى، وقتها قال لي بلهجة توحي بالأهمية:
- بتعرف؟ في شخص واحد في العالم أبشع من زوجتي أم سلوم.
قلت: مين هو؟
قال لي: أنت!
وعندما وجد أنني أجفلت قال: هذا لأنك تدافع عنها.

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...