عن فوائد النميمة والعنصرية التي لا تختفي وتفاصيل أخرى

عن فوائد النميمة والعنصرية التي لا تختفي وتفاصيل أخرى

15 اغسطس 2018
+ الخط -

- في يونيو/حزيران 2012، التقط المصور بايكي ديبوورتر في القاهرة صورة تظهر فيها طفلة داخل بيت مصري تنام أمها على أرض الصالة تحت المروحة، في حين يجلس الأب على الكنبة في حالة تركيز أو هم أو الاثنين معاً، وبعد خمس سنوات عاد المصور إلى القاهرة ليطلب من بعض المصريين كتابة تعليقاتهم على الصورة لتنشر مع الصورة ضمن كتاب يفترض أن يصدر في فبراير/شباط القادم، وجاء في تلك التعليقات التي نشرتها مجلة (هاربر) الأميركية مترجمة إلى الإنكليزية ما يلي:


"فيه حاجات ناقصة كتير من عندنا والتفكير كتير أوي بس بنقول سيبها على الله" ـ "لما بتكون في خلافات بين الأب والأم بيأثر على الأولاد" ـ "هو إزاي وافق إن مراته تتصور كده" ـ بابا بيقول الراجل ده مفلس" ـ "صورة خطأ لأن تم تصوير السيدة وهي نائمة" ـ "لدينا عند قدوم زائر للمنزل لا بد من الانتظار حتى يتاح لأهل المنزل الاحتشام" ـ "أبويا على طول قاعد كده" ـ "هي دي صورة واحدة ولا اتنين" ـ "أكتر صورة عميقة" ـ "هي زعلانة عشان باباها أخد الريموت".

ـ على عكس الأفلام والأحلام، لا توجد نهايات سعيدة دائمة فيما يخص الشعوب وأزماتها. خذ عندك مثلاً جنوب أفريقيا التي انتهت سياسات الفصل العنصري (الأبارتهيد) فيها رسمياً منذ حوالي 25 سنة، ومع ذلك كما نشرت صحيفة (ذي ميل أند ذي غارديان) الجنوب الأفريقية فإن رياضة الرجبي أشهر الرياضات الجماعية في البلاد، لا زالت على سبيل المثال ميداناً لم يتحرر من العنصرية بعد.

كان المنتخب الوطني للرجبي في جنوب أفريقيا قد تم منعه من حضور أول بطولتي كأس عالم للرجبي في عامي 1987 و1991 بسبب المقاطعة الدولية للنظام العنصري الحاكم في جنوب أفريقيا، وبعد أن انتهت سيطرة الأقلية البيضاء على البلاد، تم السماح للمنتخب باللعب في كأس العالم عام 1995، وحضر رئيس البلاد الجديد نيلسون مانديلا لتحية الفريق الذي كان كله تقريباً مكوناً من البيض، وتم تخليد ذلك الحدث في فيلم سينمائي عالمي لعب بطولته مورغان فريمان ومات ديمون، فضلاً عن عشرات البرامج ومئات إن لم يكن آلاف المقالات، لكن ذلك الحدث التاريخي الذي ألهم الكثيرين حول العالم، لم يغير الكثير في ثقافة الرجبي في جنوب أفريقيا، صحيح أن مدرب الفريق اضطر بعد عامين من ذلك الحدث للاستقالة حين استخدم تعبيراً عنصرياً لوصف مسؤولي الرجبي في البلاد، وصحيح أن كابتن الفريق اليوم هو لاعب أسود لأول مرة، لكن أغلب أعضاء الفريق ما زالوا من البيض، وما زالت الساحة الرياضية تشهد حوادث مزعجة، مثل ما جرى لأحد أوائل لاعبي الرجبي السود الذي انسحب على الهواء من أحد البرامج الرياضية الشهيرة بسبب إساءة معاملته من مقدميها ذوي البشرة البيضاء، وهو ما أثار اهتمام الصحيفة بوقائع متعددة شكا فيها لاعبون ومشجعون سود من التحيز والتمييز اللذين ما زالا غالبين على ثقافة الرجبي، وهو ما يثير التساؤل كما تقول الصحيفة عن استمرار لعبة الرجبي كمركز للهوية البيضاء المتعصبة، وكمثال على أن علاقة البلاد بالعنصرية لا يزال أمامها الكثير من التحديات برغم كل ما تم تحقيقه من إنجازات في هذا المجال.


ـ اقرأ السطور التالية من تقرير صدر عن أوضاع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأميركية لعام 2017، وحاول أن تحزر اسم الدولة التي أصدرته:

"أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقارير عن أوضاع حقوق الإنسان الدولية، متقمصة فيها دور الملاك الحارس لحقوق الإنسان، مواصلة توجيه أصابع الاتهام لغيرها من الحكومات والتدخل في شؤونها الداخلية، كما لو كانت هي نفسها تعيش أفضل أوضاع حقوق الإنسان في العالم، مع أن نظرة إلى عام 2017 تثبت تدهور أوضاع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة. حيث تصاعدت معدلات الجريمة العنيفة، وتسبب الفشل في ضبط استخدام الأسلحة في نمو العنف المسلح، وواصلت الشرطة إساءة استخدام قوتها، وضربت جرائم الكراهية العنصرية رقماً قياسياً في الارتفاع، ودخل المتشددون البيض في مواجهات عنيفة خلال مظاهراتهم، وساءت العلاقات بين الأعراق المختلفة، واستمرت الأقليات العرقية في الحصول على أعلى معدلات توظيف وأقل دخل، وتضاعفت الفجوة الطبقية، وعانى المسلمون من التمييز والاعتداءات، واستمر معتقل غوانتنامو في تعذيب السجناء الأجانب، واستمرت الهجمات العسكرية التي يتم شنها في دول أجنبية في إلحاق الضرر بالمدنيين. ضعف تأثير الإجراءات الديمقراطية.

وواجه الناخبون منخفضو الدخول عوائق جسيمة في المشاركة. تم قمع وسائل الإعلام. اندلعت فضائح الفساد. استمرت الفضائح الجنسية لأعضاء الكونغرس في الحدوث. استمرت النساء في مواجهة تمييز فاضح في التوظيف والترقي الوظيفي. تفشى التحرش الجنسي بشكل أثار موجة من الاحتجاجات. اتسع نطاق الانقسام بين الأغنياء والفقراء. استمرت خطورة أوضاع الذين يعيشون في الفقر. حياة المتشردين ما زالت مزرية. فشلت الحكومة في ضبط إدمان المخدرات والأدوية التي تدفع للإدمان. وواصل نظام الرعاية الصحية فشله العميق".

لم يصدر هذا التقرير الذي يجسد انتهاكات حقوق الإنسان في أميركا، عن دولة مثل السويد أو أيسلندا أو النرويج أو غيرها من الدول التي يحسدها العالم على حكمها الرشيد، بل أصدرته وزارة الخارجية الصينية، وهو ما دفع مجلة (هاربر) الأميركية إلى أن تنشره تحت عنوان "شوف مين اللي بيتكلم"، وهو عنوان برغم بلاغته في ما يخص الصين التي رمت أميركا بدائها وانسلت، إلا أن كل كلمة فيه تظل صحيحة ومخزية للولايات المتحدة.

ـ لكل شيء مهما كانت بشاعته بعض الفوائد، حتى النميمة. هكذا تقول عدة دراسات اجتماعية لخصتها مجلة (ذي أتلانتيك) الأميركية في باب يحمل عنوان (دراسة الدراسات)، يلخص من حين لآخر نتائج بعض الدراسات العلمية حول موضوع ما، بدأ بن هيلي كاتب الباب حديثه عن النميمة بالإشارة إلى أبرز الاتهامات التي وجهت لها عبر التاريخ، مثل وصف التلمود لها بأنها "لسان ثلاثي الزوايا يقتل ثلاثة أشخاص: النمّام والمستمع والشخص الذي تدور عنه النميمة"، ومثل وصف الكاتبة آن لاندرز لها بأنها شيطان بلا وجه يكسر القلوب ويدمر الحيوات، وما قاله بليز باسكال عن أن الناس لو عرفوا كل ما يقال عنهم خلف ظهورهم، لما بقي بالعالم أربعة أصدقاء على بعض، ومع ذلك، يضيف الكاتب، فإن الدراسات التي اطلع عليها تشير إلى أن النميمة والقيل والقال قد يكونان في الحقيقة أمراً صحياً للأفراد والمجتمعات.

يبدأ الكاتب بالإشارة إلى إحدى الدراسات التي تتحدث عن النميمة بوصفها شيئاً يولد مع الأطفال وهم في مرحلة اكتشاف الحياة، حيث يبدأ الأطفال الميل إلى النميمة في سن الخامسة.

وإذا كان تعريف النميمة يعني التحدث بين شخصين على الأقل عن الآخرين في غيابهم، فإن دراسة أخرى تعتبر أن النميمة تمثل ثلثي المحادثات التي يجريها الناس حول العالم في حياتهم اليومية. وفي حين قام الصحفي بليث هولبروك بتصميم معادلة رياضية لقياس نسبة النميمة تعتمد على حاصل جمع توقيت ما يقال من نميمة ومرات إثارته مضروباً في قياس درجة إمكانية التحقق منه، مع طرح التردد الذي قد يشعر به شخص ما في تكراره بشكل يفتقر إلى الذوق، وبرغم طرافة المعادلة، فإن تطبيق تلك المعادلة بشكل عملي يبدو أمراً عصياً على التخيل، تماماً كما يصعب تخيل المنهج الذي استخدمته دراسة أخرى للوصول إلى نتيجة تقول أن نسبة النميمة الخبيثة لا تتجاوز ما بين ثلاثة إلى أربعة في المائة فقط، بل إن هذه النسبة الضئيلة يمكن لها أن تقوم بتقريب الناس من بعضهم، فطبقا لما كشفه باحثون في جامعتي تكساس وأوكلاهوما، حين يتقاسم شخصان مشاعر سلبية تجاه شخص ثالث، فإن ذلك من المرجح أن يجعلهما أقرب إلى بعضهما البعض، مما لو كانا يشعران بمشاعر إيجابية تجاهه، وهي نتيجة تؤكد توصيف (وسائل التباغض الاجتماعي) الذي أطلقته قبل سنوات على (السوشيال ميديا)، لأننا كثيراً ما نجتمع فيها مع آخرين على كراهية أشخاص وأشياء، بنسبة أكبر بكثير من اجتماعنا على محبة أشخاص وأشياء.

على صعيد آخر اكتشف فريق بحثي هولندي أن النميمة يمكن أن تجعلنا أفضل، إذ إن سماع النميمة الإيجابية عن الآخرين يثير إلهاماً قد يدفع إلى الاجتهاد في تحسين الذات، أما سماع النميمة السلبية عن الآخرين فهو يجعل الناس أكثر فخراً بأنفسهم ورضاً عنها. في دراسة أخرى شعر أسوأ من اشتركوا في الدراسة أنهم تعلموا درساً من النميمة السلبية التي سمعوها، في حين توصل الباحثون في جامعتي ستانفورد وبيركلي أن النميمة السلبية يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على من يكونون هدفاً لها، ففي حين يتعرض البعض للنبذ والإبعاد من تجمع بشري بسبب ما يثار عن أنانيتهم، فإنهم يحرصون على إصلاح طريقتهم في التعامل لكي يحظوا برضا الأشخاص الذين قاموا بعزلهم ونبذهم، وهي حقيقة برغم قسوتها تقول الكثير عن الإنسان كحيوان اجتماعي، يخيفه إلا فيما ندر أن يكون وحيداً ومنبوذاً من الجميع، وهو ما يفصله بشكل أكبر العالم البريطاني روبن دنبار المتخصص في الأنثروبولوجيا وعلم النفس التطوري، والذي تحدث في كتابه المهم عن تطور اللغة، عن قيام أسلافنا الأولين بتكوين روابط اجتماعية من خلال وسائل بدائية كهرش الضهر المتبادل ورعاية ممتلكات بعضهم البعض ثم تطور الأمر إلى التفكير في وسائل مشتركة لضمان الدفاع عن النفس في حالة التعرض لهجوم من الكائنات الضارية، وحين أصبح البشر أكثر ذكاءً واجتماعية، أصبحوا بحاجة إلى وسائل أكثر فعالية للتقارب من بعضهم البعض، ومن هنا جاء دور اللغة والنميمة أيضاً، حيث ساعد اللغو الإنسان الأول على تشكيل بالهوية المشتركة، وساعدهم على أن يكونوا أكثر وعياً ببيئتهم، وهو ما ساعدهم على تطوير واحتمال مهامهم المعقدة التي أدت في النهاية إلى إنجازات حضارية عظيمة، خرجت في ظلها الآراء التي تحتقر اللغو والنميمة.



يختم الكاتب مقاله الذي دعمه بمصادر الدراسات التي أشار إليها ساخراً: "لذلك في المرة القادمة، حين تجد نفسك ميالاً لمسك سيرة الآخرين، لا تخش ذلك، فقد تساهم في حث الآخرين على التعاون وتغيير أنفسهم، وقد ترفع من احترام الآخرين لذواتهم ورضاهم عن أنفسهم، وتواصل أداء المهام الأساسية للعائلة البشرية، أو هذا ما سمعته على أية حال".

أرقام للتأمل:

ـ 152 ألفا و505 دولارات أميركية قيمة المخالفات المرورية المتعلقة بالانتظار المستحقة على كوريا الشمالية وبعثتها الدبلوماسية لمدينة نيويورك في عام 2017، في حين تبلغ قيمة المخالفات المستحقة على جمهورية مصر العربية لمدينة نيويورك في الفترة ذاتها مليونا و989 ألفا و554 دولارا أميركيا.

ـ 255 شقة سكنية منحها رئيس أذربيجان العام الماضي للصحافيين الموالين له في اليوم العالمي للصحافة، في الوقت الذي تعرض فيه عشرة صحافيين على الأقل للسجن بسبب عملهم الصحافي في أذربيجان.

ـ 51 في المائة هي نسبة المتطرفين الأفارقة الذين أشاروا إلى أن الدين هو سبب التحاقهم بمجموعات إسلامية متشددة، في حين تبلغ نسبة المتطرفين الذين أشاروا إلى أن تصرفات الحكومة هي سبب انضمامهم للمجموعات المتشددة 71 في المائة.

ـ 692 كنيسة ألمانية استضافت لاجئين خلال عام 2017 لتمنع تعرضهم للترحيل.
ـ 150 في المائة هي نسبة الزيادة في عدد الأميركيين المنتمين إلى طائفة الآميش الدينية.

ـ 59 ألفا و300 حالة انتحار تم تسجيلها في الهند منذ عام 1980 لها علاقة بالاحتباس الحراري والارتفاع الرهيب في درجات الحرارة بشكل يفقد الناس صوابهم ورغبتهم في الحياة.

ـ 12 في المائة من مساحة الأرض تقريباً تعرضت للجفاف الحاد في عام 2016.

ـ في عام 2014 كانت الولايات المتحدة تحتل رقم 5 في ترتيب الدول التي ترغب العمالة المهاجرة في العيش فيها، في عام 2017 تراجعت إلى الترتيب رقم 47.

ـ طبقا لدراسة حديثة، يمكن للإنسان أن يتحمل الألم بنسبة تزيد على 34 في المائة إذا قام بالتعبير عن ألمه بشكل بذيء.

ـ أمام كل قضية إرهابية تورطت فيها مجموعات أجنبية وتخضع لتحقيق المباحث الفيدرالية الأميركية (الإف بي آي)، هناك قضية إرهابية تورطت فيها عناصر محلية تخضع للتحقيق.
ـ نسبة من يقومون بشراء المنازل لأول مرة في الولايات المتحدة من الذكور العزاب سبعة في المائة، ومن الإناث العازبات 18 في المائة.

ـ نصف مستخدمي الإنترنت في الصين قاموا بعمل بث مباشر لأنفسهم على شبكات التواصل الاجتماعي.

ـ انخفضت نسبة سكان وسط مدينة فينيسيا التاريخي بنسبة 68 في المائة، في حين ارتفعت نسبة السياح الزائرين لها بنسبة 469 في المائة.

ـ ثلاثة أشهر حددتها الدنمارك للأزواج الذين لديهم أطفال للتفكير في قرار الطلاق قبل اتخاذ إجراءاته النهائية.

ـ ثلاثة في المائة فقط من الذين انتخبوا دونالد ترامب أعلنوا في يونيو الماضي ندمهم على انتخابه، وهي نفس نسبة الناخبين الذين أعلنوا ندمهم على انتخابهم لهيلاري كلينتون.

ـ 55 حالة تقوم كل عام في مدينة نيويورك بالإبلاغ عن تعرضها للعض من السناجب، وهو رقم كنت أحتاج إلى قراءته لأجد مبرراً لارتيابي الدائم من هذه المخلوقات التي ثبت أن شكلها اللطيف وارتباطها بمجلة ميكي ليس مبرراً للاقتراب منها أكثر من اللازم.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.