ضرورة الكذب على الزوجات

ضرورة الكذب على الزوجات

13 اغسطس 2018
+ الخط -
اخترع الإخوةُ الكذابون، ضمن تفرعات مفهوم الكذب وفنونه، مفهومَ "الكذبة البيضاء"، وهي تسمية توحي بأن لديهم- ما شاء الله كان- تشكيلة واسعة من الأكاذيب الملونة، وأما لماذا لَوَّنُوا هذه الكذبة بالأبيض، فهناك احتمالات عديدة، منها أنهم يضعون فوقها مسحوق جوز الهند، مثلاً، أو أنهم يغطسونها بالكريما، أو أنهم يعاملونها معاملة حلوى "الكرابيج" فيسكبون فوقها سائل "الناطف" الأبيض.

ومن غرائب الكذبة البيضاء وأفانينها أن أحدَ المتمشيخين نصب نفسه مفتياً، دون علم منه بشؤون الدين والإفتاء، وصَرَّح أن "الكذب على النسوان حلال"! ويبدو أن تحليل الكذب على النسوان لم يدخل في عقول بعض الرجال فتقدم هو خطوة إلى الأمام وقال: الصدق معهن حرام.. وتهدج صوته فجأة وقال:
- أتعلمون لماذا هو حرام يا إخوتي؟ لأن عقولهن، والعياذُ بالله، ناقصة!


وليثبت لنا أن علومه ومفهومياته لا تقتصر على أمور الدين الحنيف، فقد أخذ يسرح ويمرح في العلوم الدنيوية، وقال إن علماء الغرب يزعمون أن تشريح الدماغ عند الرجل والمرأة واحد، ولا يوجد تميز لأحدهما على الآخر، وهذا كذب بالطبع، ولكنه ليس أبيض، بل إنه "كذب خبيث".

واستمر هذا الرجل الجاهلُ المُتَفَيْقِهُ في عرض نظريته العجيبة فقال إن الكذب، في معرض إجراء المصالحة بين رجل ما وزوجته، مقبول، لا بل إنه فرض واجبٌ، وأن بإمكان الشخص المُصْلِح أن يقول للزوجة المسكينة إن زوجها يحبها، ومخلص لها، وأن ما يبثه الحاسدون والمناوئون والعاذلون من أخبار كيدية حول تقربه من النساء الأخريات غير صحيح، وهو ناجمٌ على غيرتهم من هذين الزوجين المتحابين في الله.. ولا يوجد ما يمنع من أن يحلف الوسيط المصلح يميناً (أبيضَ) كاذباً، على أن واقعة الخيانة التي تتحدث عنها الزوجة وتقدم البراهين على حدوثها قد اخْتُرِعَتْ وجَرَتْ فبركتُها في ستوديوهات قناة الجزيرة!

خذوني أنا مثلاً يا إخوتي -يتابع الرجل العجيب- فلقد تزوجتُ قبل بضع سنوات، بالسر، وبقيت أخفي أمر زواجي على زوجتي أم عيالي، حتى جاءني ولد من المرأة الجديدة، ووقتها ذهب صديقٌ لي بارعٌ في مجال الكذب الأبيض إلى زوجتي وقال لها إنه عثر على طفل بريء مثل فلقة القمر، لا أم له ولا أب، مرمي أمام باب الجامع، وخفنا إن لم نسجله في سجلات النفوس أن يُحسب على اللقطاء.

وظل يحكي لها حكايات لها علاقة بالأمومة والعطف على الأطفال حتى تمكن من الاستيلاء على عواطفها وقالت:
- والله بس يجي جوزي راح أطلب منه يسجل هالولد على اسمه.
فضحك وقال: عظيم. انحلت. وطالما أنه سيسجل الولد، فبطريقه خليه يسجل الزوجة الجديدة، أم الطفل، على اسمه.
فقبلت. الله محيي الكذابين البيض.

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...