"بدك الحوارنة يحكمونا؟"

"بدك الحوارنة يحكمونا؟"

01 اغسطس 2018
+ الخط -
في الدنمارك دعاني صديق سوري، سابق، لتناول القهوة. كانت مظاهرات سورية السلمية في أوجها.. تحتل مساحتها على وسائل الإعلام، قبل تصنيفها "قنوات سفك الدم والمؤامرة".

عادة، لا يجري نقاش سياسي عميق، بل مجرد دردشة عن الاغتراب، وتلفاز مثبت على برامج ترفيهية لبنانية، ومقارنات يجريها مضيفي بين "هنا وهناك"؛ من التربية إلى الانبهار بنظام ديمقراطي، بعد سنوات طويلة من "لمّ شمل" بزوجته التي أحضرها أهلها صغيرة جدا.

على غير العادة أمامي "قناة الدنيا" السورية. حين أتت الزوجة بالقهوة، وجدتني في حرج لم أعشه مع هذه الأسرة.. هي المرة الأولى التي أعلن فيها أمام عائلة عربية انحيازي إلى ذلك الجزء من ثقافتي الدنماركية.


كأني في أحد "فروع التحقيق"، كتلك التي تفننت، أيام المراهقة السياسية، باستدعاء وجلب الشبيبة، بمعية كنعان درويش، "الرفيق" البعثي المؤتمن، بقبضات مسدسات رفاق أسعد راجح، على "حراسة مبادئ ثورة البعث"، في ثانوية اليرموك.

بابتسامة صفراء: مع من أنت؟
شاشة مسح الأدمغة، وتبديلها بكُرة من بطيخ، كانت تلعلع كذبا.
قلت بلا تردد: بالطبع مع المندسين.
كأني ألقيت "سطل ماء بارد".
ولم أكن قد ارتشفت من القهوة بعد.. ظننت ساذجا أنه يمكن شرح الأمر: ألم تصفقوا للثورة التونسية والمصرية؟ وتفاخرتم بأن "العرب يتحركون"؟ فلماذا حين وصل مطلب الحرية إلى سورية صارت جريمة وإثماً ومؤامرة؟

بعد صمت أشبه بالصدمة، انطلقت جمل غريبة عجيبة، تصيب متلقيها بصدمة، وخصوصا حين تصدر من سيدة قضت حياتها وأهلها في الغرب وتعرف معنى كرامة وحرية الناس، في ظل نظام حرية وعدالة ومساواة.

أحسست بطعم طائفي ومذهبي مع الرشفة التالية من قهوتي، بل ذكرني ذلك بدرس الشيوعي السابق لافروف عن "السنّة والحكم في سورية"، عجيب كيف لمدعي علمانية أن يصبحوا طائفيين"؟.. قلتها في سري.

بدا الجو مشحونا أكثر، حين طُعّم الكلام بما يشبه تهديدا مبطنا عن "مؤيدي الفورة يسترجوا ينزلوا عسورية"، وسؤال لحقه "في أحسن من سورية لإلكن يا الفلسطينية؟"، لم أهتم بالأول وأجبت عن الثاني: نعم فلسطين نفسها، ثم، إن كان من تلميح بتكرار الرواية السمجة عن "الحقوق"، فتلك ليست منّة ولا مكرمة من مكرمات رئيسكم، الذي لم يولد بعد، ولم يكن أبوه أصبح "قائد الأمة"، حين ساوى برلمان ديمقراطي سوري في الحقوق بين الفلسطيني والسوري..".

ابتسامة صفراء للتلطيف، وجواب "ما تتعب نفسك نحنا راح نضل أسديين"، يومها كان قراري: يصعب أن تقنع القطيع أنه قطيع.

صمت..
ليتها لم تنطق.. "بدك الحوارنة يحكمونا؟"..
غادرت، بعد سؤال: يحكموكم؟ من حضرتكم؟ أأنتم مواطنون في الدنمارك أم رعايا في مزرعة الأسد؟