"عقاب إلهي"

"عقاب إلهي"

29 يوليو 2018
+ الخط -
عند موقف الحافلة، في قرية دنماركية، كنت منشغلا بهاتفي، بانتظار قدومها، كل 30 دقيقة صيفا، قبل أن يلفتني صوت تخاطب بالعربية. المحتمون من الشمس الحارقة: شابة ترتدي لباسا خفيفا تداعب طفلها، وسيدتان طاعنتان في السن، لكنهما منتصبتان بلا عكاكيز.

لم يدرك المتحاوران أني أفهمهما، أحدهما بدا ممتعضا لعدم السماح له الانتقال إلى مجمع للمهاجرين، إذ لم يمض على إقامته ثلاث سنوات. لكن، تلك المظلمة المتكررة ليست ما أثار انتباهي.

الممتعض، في أواسط الـ40، يرتدي سروالا إلى فوق الركبة، ينفض ما علق بقميصه، وهو يرمق الشابة صعودا وهبوطا، قائلا لمرافقه؛ أتدري؟ الجفاف وارتفاع الحرارة هنا هو عقاب إلهي لهؤلاء؟


الحق يقال، لم ينزل نظارته، بقيت ثابتة في مكانها، كعينيه، رغم تصبب العرق. وفيما يشبه الاكتشاف، قال الضيف، الأصغر منه: يقولون هناك مشكلة مناخ عالمي.

فوجئت لاختلافهما.. ذلك لم يدم ثوان، قبل أن يوافق الشاب رأي مضيفه على أنهم "منحلون.. وخنازير.."، بـ"إي والله".

ولأن تعابير وجهي لم تتغير، وبقيت منشغلا، بعدم الضغط موافقا على بطاقة رحلة الحافلة، ليفحصها السائق، متراجعا عن الصعود.. وحين أنهيت اجتاحني سؤالان للمتحاورين بصوت مرتفع، يفزع السيدتين غير فاهمتين عما يتجادلان، واللتان يمكن أن تحتجا لو أن شابين دنماركيين بلغتهما طبعا قالا ما قاله "المواطنان الجديدان"، عن شعبهما "الخنزير"، إذ قد توافقانهما على أنه "عقاب إلهي"، من يدري؟ فهناك من يؤمن في الغرب نفسه أن القضية عقوبة.

تجربتي في النقاش العدمي صفرية. كانت الحافلة على بعد نحو 800 متر، لم أعد أستطع بلع سؤالي للبصاص، لابس الشورت، و"الفهمان"، القابل بتبرير أنهم "خنازير": ولماذا تعيش بين الخنازير يا أخي العربي؟

الجواب الوحيد.. قهقهة.. ثم: "يا زلمة فكرناك إيراني، طلعت بتفهم عربي".. كان الشاب بصراحة أكثر لطفا: معك حق.. سارت الحافلة وأنا أنتظر التالية.. ولم ألحق سؤالي الآخر: وماذا عن لهيب صحارى ودول العرب والمسلمين، وفي أقدس الأمكنة؟