حراس رؤسائهم... ومخبرو قياداتـ"نا"

حراس رؤسائهم... ومخبرو قياداتـ"نا"

28 يوليو 2018
+ الخط -
يواجه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عاصفة سياسية وإعلامية، بسبب فضيحة حارسه الشخصي، وصلت إلى حد وصف اليسار لها بـ"ووتر غيت". الحارس، أو المستشار والمسؤول الأمني في الإليزيه، ألكسندر بنعلا، ضبط متلبساً، بما عرضته "لوموند" من ضربه لمتظاهر في الأول من مايو/ أيار المنصرم.

الرجل يتقاضى راتباً شهرياً بحدود 10 آلاف يورو، تكفي أيضا ليغسل ويكوي قميصه بثلاثين يورو، فهو ليس مسؤولاً عن المستهلكين عندنا، بل عن حماية رئيس بلد. طرده ماكرون أخيرا، عله يخفف من "طنجرة الضغط" الإعلامي، بيد أن القصة تتدحرج حتى صباح 22 يوليو/ تموز.

لم يُفرم عدد "لوموند"، ولم يستدعَ للتحقيق رؤساء تحرير الصحف والمواقع الفرنسية الأخرى، لا هذه المرة ولا في سابقاتها، حين ضُبط ماكرون بنفسه يوبخ شابا ويقمع مزارعا فرنسيا محتجا.

سيسأل البعض: وما هذه المقارنة بين رؤسائهم ومخبري وحماة المستبدين في أوطان عربية؟
سؤال ولا شك منطقي، لو أني حقيقة أؤمن أنه لدينا رؤساء، وليس حفنة مغتصبي سلطة، ومنتحلي صفات في جمهوملكيات وراثية، ترى في البشر براغيث في مزارعها... التي تسمى أوطانا... والدليل: أنظروا إلى أجهزة استخبارات و حراسة "الزعماء"، فهي دربت "الرعايا" على رقابة ذاتية، ورعب وتعوذ من الشيطان، كلما فتحت سيرة معتقل أو سجون: من تدمر إلى صيدنايا وفرع فلسطين... إلى سجون مصر السرية، وما بعدها في ليبيا... والتفافاً إلى أغلبية جغرافية العرب صعوداً ونزولاً.

في "عالمنا العربي" يمكن أيضا لـ"زعيم حزب"، إلهي ودنيوي، وليس رئيس دولة، أن يُنزل "قبضاياته" بلباس أسود لإرهاب سكان "عاصمة البلد"، إذا "أومأ" فقط، فما بالك إن تجرأ فنان ما على تقليده، كما يقلدون أينما كان الشخصيات العامة، سخرية وانتقاداً، إلا في "دولنا" حيث يسمح فقط العبوس والقهر والاكتئاب، والموت بالسكتة القلبية الجماعية، كما في سجون "الزعيم بشار".

أما عن هذه المقارنة، فلأنني سمعت ذات يوم مذيعًا عربياً يقتحم الشاشة، على طريقة مذيعة القذافي، هالة المصراتي، ورجلي حفتر والأسد، الورفلي والحسن، يخبرنا بصوت جهوري:"سنعطي العالم درسا في الديمقراطية". وسمعت آخر يقارن بين بلده وحاكمه وحكام وبلاد "الواق واق"، بما فيها سويسرا والسويد، ليقنع الهاتفين بروح "القائد الخالد" و"زعامة" الوراثة، أن "بلدهم أفضل في حقوق الإنسان بمليون مرة من الغرب المنحل"، فهو، الزعيم، يعطيك كل شيء من ماله الخاص، من الدراسة إلى الطبابة؛ لكنه وحاشيته يهربون أولادهم وزوجاتهم وعشيرتهم للدراسة والعلاج والوضع في "الغرب المنحل الإمبريالي المتآمر"، وفيه يتقاعد أيضاً "رئيس أركان جيش الصمود والتصدي".

وإذا ما أراد أمنيو الزعيم زيادة الجرعة فلن يترددوا بجلب شيخ بعمة ليخطب: هذا وريث الله في الأرض. إنه يا قوم صحابي جليل. وفي القرآن ذكر اسم زعيمنا.. انبطحوا تحت أقدامه، فدينكم يقول: اخنعوا ولو جلد ظهوركم... ولا تقبلوا ما لدى "الغرب الكافر المتآمر على سيادته... ولا الشيطان الأكبر".

باختصار، سلم الصعود من هاوية جنرالات البزنس والسرقة، في أجهزة كتم أنفاس المواطنين، من المهد إلى اللحد، لا تحتاج فقط ثورة فرنسية، بل قبل هذا وذاك ثورة على الذات المرعوبة. الذات التي تقبل أن يسيرها شيخ نصاب، وزعيم حزب أنصب، و"قائد فذ لم يخلق الله بمثل عبقريته". والتوقف أمام مشهد تقبيل اليد كسباً للرضا... وفي هذه الحالة يمكن للتيمن أن يصلح، بدل الشكوى القهرية خلف الجدران.