ألف من داريا

ألف من داريا

27 يوليو 2018
+ الخط -
(رقم اللانهاية)
ترجم، عابد اسماعيل، كتاب محاضرات لبورخيس اسمه "سبع ليال"، وهي سبعُ محاضرات ألقاها بورخيس في الجامعات الأوروبيَّة. ثمَّة محاضرةٌ بعنوان "الترجمة"، وهو نصُّ يشرح فيه بورخيس إشكالية الترجمة في الشعر والأدب والثقافة، وعلاقة النص المترجم بالأصل. يحكي بورخيس عن الترجمة الإنكليزيَّة لعنوان "ألف ليلة وليلة"، إذْ كانت هنالك، دوماً، ترجمتان في المكتبة الإنكليزيَّة. الأولى خاطئة، وتتحدَّث عن الألف كعدد محدد، أي توجد فعلاً 1000 ليلة، مع ليلة واحدة إضافيَّة، فيصبح العدد 1001، كعدد رياضي ثابت، هذا ما تعنيه الترجمة الأولى، وهي خاطئة طبعاً برأي بورخيس. الترجمة الثانية، هي الأصحّ، لأنَّ المترجم فهِم أنَّ رقم ألف باللغة العربيَّة، وفي الكلام العربي الشعبي الشائع، لا يعني الألف كعدد رياضي، وإنما هي دلالة على الكثرة واللانهاية وعدم التحديد. العدد ألف باللغة العربيَّة، كتشبيه مجازي، هو الكثير والمطلق، هو اللاعدد، وبالتالي، فإنَّ العنوان "ألف ليلة وليلة"، يعني أنَّ لدينا عددًا غير متناهٍ من الليالي، وإذْ صدف ووصلتَ إلى اللانهاية، فإنَّ ثمة ليلة أخرى دومًا. 
النظام أعلن اسم ألف قتيل من داريا.

(موت السياسة)
في ضحايا الحرب الأهلية الإندونيسيّة، يُروى، أن كثيرًا ممن شهدوا فظائع ومذابح بأعينهم. قلّ اهتمامهم بالسياسة، ولم يعودوا يجدون أي جدوى في الاختلاف والنضال والنقاش السياسي وفكرة الفضاء العام. ثمّة لحظة ألم رهيبة، توصل بالمتألم إلى مرتبة روحيّة متعالية، تشبه تمامًا مشهد تعالي البرجوازي لثقته بملكيّته المادية. هي لحظة فوق السياسة والاختلاف. إنها لحظة حكمة خارقة. للجسد، طبيّاً، أيضًا عتبة ألم محددة، ينتفي فيها الألم بعدها، ولا يصبح له أي معنى. ويفقد المسبب القدرة على إثارة الحس، حتى لحظة الموت. عفكرة، الإحساس بالألم، طبيّاً هو شي إيجابي بعد الرضات العنيفة، وهو دلالة على سلامة الجهاز الحسي. 
في سورية، لم تنتف السياسة مللاً ورعبًا وخوفًا فقط. وإنما لأن كثيرًا من الناس وصلوا إلى هذه اللحظة البرجوازية الروحية. وصار وجعهم أكبر من بشار الأسد نفسه! لدرجة عدم الاكتراث بوجوده من عدمه. 
وهذا ما يريده بشار.

(مي سكاف)
السلفيون يناقشون جواز الترحّم على مي سكاف لأنها "نصرانيّة"، والمؤيدون لنظام الأسد يشمتون بها. الجهاديون والأسديون في صفٍ واحدٍ ضد مي سكاف، ضدّنا جميعاً.


دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية:

مدونات أخرى