سلام يا جدع!

سلام يا جدع!

24 يوليو 2018
+ الخط -
أثار قرار وزيرة الصحة المصرية، الدكتورة هالة زايد، الكثير من اللغط وشغل الرأي العام. اهتدت الوزيرة إلى حيلة جهنمية لإيقاظ الضمائر في أركان مستشفيات الوزارة في بر مصر، وبعد دراسة علمية متأنية تفتقت الحيلة عن إلزام المستشفيات بإذاعة السلام الجمهوري ثم قسم الأطباء يوميًا!

قبل أربع سنوات فقط كانت مها الرباط تشغل المنصب نفسه، وطالبت الأطباء بمهمة فذة للارتقاء بمستوى الطب في مصر؛ استراتيجية "هش القطط" من عنابر المرضى وغرف العمليات.

لم نفهم مراد مها الرباط -يومها- من هش القطط، ولا نتوقع أنها كانت تقصد قطط عدنان أوكتار، لكن الغريب أن القرار الأخير سخيف، وكان من باب أولى التركيز على تطوير المنظومة الطبية. هل تشغيل السلام الجمهوري وقسم الأطباء في مستشفيات سيقضي على عدوى المستشفيات؟ هل سيطور الأجهزة الطبية ويقضي على آلام المرضى؟ هل سيساعد الأطباء على أداء مهامهم بفعالية وإخلاص؟ نحن نعاني حالة من اللت والعجن والهري في كلام لا يجب أن يصدر عن مدير وحدة صحية، فضلًا عن أن يصدر من وزيرة الصحة.


أطباء مصر ليسوا بحاجة لإعادة القسم، الأطباء بحاجة لمراعاة الوزارة احتياجاتهم الفعلية، وتوفير الوزارة لبيئة تساعد الأطباء بشكل جوهري وليس شكليات فارغة. وكأن الحكومة ترمي للشارع بطرفٍ من دعابة، وتضج وسائل التواصل الاجتماعي سخرية بهذا القرار العبثي! لكن المدهش أن التملق لا يكاد يختفي حتى يطل برأسه مرة أخرى؛ فأثناء مداخلة هاتفية للفنان عادل إمام مع وائل الإبراشي في برنامج العاشرة مساءً، انتقد الزعيم القرار وقال إنه يناسب الأطفال في المدارس، وإن أطباء مصر يؤدون واجبهم بإخلاص. لم يرق هذا الطرح أحد أعضاء مجلس الشعب؛ فسجل اعتراضه فوريًا وببالغ الحماس، ورأى أن القرار حكيم ويهدف للصالح العام!

هذا المتحمس للقرار ربما دخل بعض مستشفيات مصر قبل القرار، ورأى الأطباء يؤدون عملهم على أكمل وجه، كان ذلك قبل قرار إذاعة السلام الجمهوري وقسم الأطباء، ولم يبصر نزيفًا حادًا في انتماء بعض الأطباء أو إهمالًا متعمدًا منهم؛ فما جدوى العنترية في قبول قرار عاطفي لا يعكس أي ملمح علمي في معاناة المريض المصري؟! مبدأ الحكومة لا تعرف الخطأ أضر بنا بما فيه الكفاية، وأن نتعامل مع الأمور بمنطق المصلحة العامة وليس الحفاظ على المنصب بتملق المسؤولين.

رحم الله أبا الطيب! فإن قوله: "وكم ذا بمصر من المضحكات" يناسب ما يجري الآن من فوضى، فوضى إدارة الأزمة الطبية، وفوضى الانشغال عن أسباب الأزمة، واللعب على وتر تعزيز الانتماء ظنا أن المصريين قد باعوا انتماءهم، أو أنهم فرطوا فيه إلى أجل غير مسمى. نعرف أناسا يتعاملون بالربا حتى صاروا أشهر من تاجر البندقية، ولا ينقطع صوت إذاعة القرآن الكريم من بيوتهم؛ فالنشيد الوطني ليس الحجاب الواقي من مشاكل مستشفيات وزارة الصحة، ومن باب أولى أن نضع الأمور في نصابها.

لو أن الطبيب المصري وجد في قرارة نفسه أنه بحاجة ماسة للسلام الجمهوري وقسم الطبيب، وأيقن في حشاشته أنهما سيرفعان من كفاءته؛ لم يتردد فيمتو ثانية في تحميل السلام والقسم على هاتفه الشخصي، ولأدمن سماعهما وحفظهما عن ظهر قلب. ولو أن المريض المصري رأى من الطبيب إهمالا ولمس أن السبب في ذلك تدني هرمون السلام الجمهوري وقسم الأطباء؛ لعمد إلى تشغيلهما على جواله لإنعاش روح الطبيب وإيقاظ مشاعره الوطنية، وعلى فرض أن المريض كان بيفرفر ومش قادر؛ فإنه سيهمس لمن حوله: سلام يا جدع! وعندها يدوي السلام الجمهوري، وتشيع ملامح الهمة والعزيمة في أوصال الطبيب، وينجز عمله على أفضل وجه ممكن.

هناك سؤال رفيع يزن على الودان، ومفاده باختصار: من أي المدارس الطبية العالمية استنبطت وزيرة الصحة تقنية السلام الجمهوري؟ لم نسمع عن تقنية مماثلة حتى في بلاد هبدستان! وعلى ذكر السلام الجمهوري؛ فإن منتخب مصر استمع إلى السلام الجمهوري ثلاث مرات في روسيا، ولم يتحمس للفوز في أي مباراة وعاد بخفي حنين! فالمسألة ليست قاصرة على تشغيل السلام الجمهوري، بل تتعدى ذلك إلى فكر وإدارة وتخطيط علمي.