أوروبا أقل ذكاء من العرب في محاولة ترامب ركوبها

أوروبا أقل ذكاء من العرب في محاولة ترامب ركوبها

23 يوليو 2018
+ الخط -
في العناوين والمانشيتات الإعلامية الأوروبية عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن منظور عربي، ثمة لغة "غير مؤدبة"، وألفاظ ورسوم كاريكاتورية، تارة كقزم وأخرى متحول، كما ذهبت دير شبيغل على الغلاف، وأخرى تصوره باختلال جنسي مختلياً ببوتين تعتبر "خادشة".. ولو احتوتها بنسبة صفرية زميلاتها العربية لأمر الحاكم على الفور بـ"فرم العدد" ومدير التحرير وتقديم اعتذار للمندوب/ة السامي في السفارة.. وأحال إلى "التفتيش" رئيس التحرير.

في الطريق إلى هلسنكي جاء وصف "العراب" في صحف ألمانية، وحتى في أميركا نفسها يطلق عليه المخرج مايكل مور نفس الوصف THE GODFATHER .. فتتالت عناوين، وأعمدة، يقال عنها بدارجة القهر العربي "مسحت الأرض بترامب". فكيف تخول تلك النفس الاوروبية، "الأمارة بالسوء"، لرئيس تحرير صحيفة وموقع تلفزيوني، وكتاب صحف عريقة، أن تتضمن نعوت "معتوه .. خائن .. مركوب"، بحق "رئيس أقوى دولة"؟!.

حقاً، لم الأوروبيون منزعجون من ترامب؟
في دول يحاول رئيس دولة "الحليف التاريخي" جعل تكتلها، الاتحاد الأوروبي، على نفس درجة وصف "العدو" مع روسيا، ما لا يطاق. فالرجل ينظر إليه كـ"مبتز" يمارس سياسة "قبضايات شوارعية"، في بعض الترجمة، لما ذهب إليه الكتاب والصحافيون وهم يتناولون سيرة "إن لم تدفعوا فنحن حل منكم ومن الناتو"، على وزن "نحميكم بأموالكم".


فمفهوم المقايضة، في خلاطة ترامب ومعسكره لفرض "اخضاع"، أو "خوة" شوارعية، لم يتردد الأوروبيون برد الصفع صفعات.. خذ توجههم لتشكيل تكتل مع الصين، ودخولهم باتفاقيات مع اليابان.. مع ملاحظة الابتعاد عن التلويح بتحالفات ولو نفطية مع بعض العرب، المنتفخين والمصدقين أنهم بالقرصنة وشراء الذمم قوى صناعية عظيمة"، وبالرد الألماني القاسي لأنه اقترب من مسألة سيادية حول سيل غاز الشمال 2، الروسي المار في مياه البلطيق..

إلى جانب ذلك، يقرأ الأوروبيون، وخصوصاً في الغرب والشمال، أن "ترامب لا يختلف كثيراً عن بوتين في أمانيه بتحطيم.. أو تقويض الاتحاد الأوروبي". عنتريات ترامب، فيما خص أوروبا قرأها هؤلاء من زاوية الخضوع لضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

يرى هؤلاء أن التراخي مع "مافيا روسيا" سيعني فتح الشهية، وليس بغريب أن تسمع من يشبه الواقع اليوم بما كان عليه عشية تدحرج عربات هتلر نحو النمسا وبولندا.

الأوروبيون بطبيعة الحال منقسمون على كثير من القضايا، لكنهم في المقابل يتصرفون كتكتل، إذ يتعلق الأمر بمصالحهم، ومنها الوجودية، من بوابة الاقتصاد والمكانة السياسية الدولية.

وصف ترامب الاتحاد بـ"العدو" فتح شهية أوروبية لإظهار مخالبها، ترفض سياسة "الحلب" وطأطأة الرؤوس، والمقايضة على "صفقات قرون"، بمعنييها الشوارعي والزمني.

قد يسأل سائل: أليس أفضل للأوروبيين أن ينحنوا للعاصفة؟، كما يفعل "حكماء العرب"، وما أكثرهم على صفحات الجرائد وخلف ميكروفونات "طبيب الفلاسفة".. و"ما تسمعوش كلام حد غيري.." .. إذ تكفي همروجة رقصة سيف وإشباع غرور الصهر والابنة ليرفع ترامب يده مقسماً أنه سيحطم أنف بوتين، كما وعد "الحكماء" مع إيران، التي يقايض بالمناسبة على بقاء ذراعها في الشام، بصمت وخضوع متأرنب لذات من وصفهم بـ"أشباه رجال"؟

بلى بالتأكيد أفضل.. لولا أنهم لا يملكون رأياً عاماً ومؤسسات تحاسب، ويقودون بلادهم كمزارع عائلية، والشعوب فيها قطيع ليس إلا، وغرقى الفساد والافساد، وصحافة لا تعرف من التطبيل والتزمير ما تعرفه صحافة المنشغلين بسحب مونديال الدوحة بحجة أنها "ستكون جزيرة منعزلة".

ولولا أن أوروبا، التي سالت بين قدميها دماء اختلافاتها، أخذت بـ"حكمة أطال الله بعمر من يجلدنا على ظهرنا ويسرق أموالنا، من ولاة الأمر.." وخنوع نخبها، كما يفعل نخب الخيبة العربية، لكنت رأيت ترامب يركبهم دفعة واحدة.. ولا أعتذر عن المفردة الأخيرة لسبب بسيط: لا أعترف بأدبيات الجامية.. ولا يسار "اليد التي لا تقوى عليها قبلها وأدعو عليها بالكسر"..