من غير "معلش"

من غير "معلش"

02 يوليو 2018
+ الخط -
تمضي الأمور في عكس ما تتوقع، وتظلم الدنيا في وجهك كل لحظة، وتتكالب عليك المحن حتى تغريك بالاستسلام، لكن شيئا ما قد يغير ترتيب الكون من حولك؛ إنه إصرارك على خوض التحدي..

هناك من قرر الصمود لأنه لا يملك خيارا آخر، وآخرون أرادوا لأنفسهم حياة أفضل، وغيرهم مضوا في طريق التحدي ليتركوا لمن بعدهم بصيص أمل، والحياة تستوعب الجميع ولا تقف على أحد.

اتفق يحيى حقي مع نادي الحقوق - المطل على ميدان الأوبرا - على أن يقدم محاضرة بالنادي، ودفعه لذلك شعوره بالمسؤولية تجاه المجتمع، وكانت المحاضرة عن الأحداث المجرمين. أراد أن يسلط الضوء على أسباب المشكلة ووسائل احتوائها. نشرت الصحف خبرا عن هذه المحاضرة. وجمع حقي مادة دسمة ليعرضها على الناس، واصطحب معه كمية من الأوراق كأدلة دامغة ومقنعة، وقطع طريقه يعيش لحظة دخول القاعة، ويحدث نفسه: "ماذا أفعل حين أدخل ويعلو التصفيق؟ لا شك أني سأشعر بخجل".


ودخل القاعة، وكما توقع.. فقد شعر بخجل، لكنه خجل من نوع آخر؛ خجل لأنه لم يحضر من يفترض بهم أن يعلو تصفيقهم! كانت القاعة الكبيرة تحتضن رجلين! ووجد حقي نفسه في موقف مربك، فلا يدري هل يلغي المحاضرة أم يؤجلها أم يكابر ويعرض بضاعته؟ هل عليه - إن قرر إلقاء المحاضرة أصلا - أن يتحدث بصيغة الجمع أم بصيغة المثنى؟ وهل يتوجب عليه أن يعتلي المنصة؟ أو يجلس إليهما جلسة الأصدقاء المقربين؟ وبعد صراع داخلي مرير، تنفس الصعداء وقرر بث ما لديه من أدلة للحضور الكرام، وبالأصح للحاضرين الكريمين. يقول حقي: "والأعجب والأغرب أنني – برضه - ألقيت المحاضرة".

عندما تفكر في خوض تجربة جديدة، فإن الكسل والإحباط يحومان حولك، ويمدانك بحجج لا حصر لها للتراجع، وقد تتمثل خيبات أملك القديمة بين عينيك، وكأنها تقول لك: مفيش فايدة! ويصبح انغماسك في الضياع شبه أكيد، بل قد توهم نفسك أن الفشل لم يخلق لإنسان سواك، وأن النجاح لن يرافقك يوما، وتتداعى عليك نوبات القلق والاكتئاب والوساوس تترى. لن تنفعك كبسولة "معلش" أو أكثر، ولن تغني عنك قراءة القصص ومشاهدة الأفلام، ولا إدمان متابعة مواقع التواصل الاجتماعي.

شيء واحد سيضمن لك النجاة، وسيكفل لك التغيير بدرجة أو بأخرى؛ إنه إصرارك على التغيير.. تمامًا كما قطع يحيى حقي سيل الظنون عندما ألقى المحاضرة في وجود شخصين. عندما تقرر العمل فإنك توقف نزيف الأفكار التي تضغطك نفسيا وعصبيا، وتعمل على تحسين الوضع القائم أو إنقاذ ما يمكن؛ فأنت حينها تعمل ولا تقف مكتوف الأيدي. ليس في وسع الآخرين أن ينتشلوك من حالتك النفسية المتردية إن لم تساعد نفسك، وثق أن الجميع لديه من همومه الشخصية والعائلية ما يشغله عنك؛ فتحمل أعباء نفسك وادفع ثمن أحلامك وحدك.

إن الكثيرين ممن نجوا أدركوا أن أحدا لن يساعدهم؛ فلم يطيلوا النظر وراءهم وعزموا على بلوغ مسعاهم، ولم يكن غريبا أن يصلوا إليه ولو بعد حين، ومنهم هذا الفتى النابه جليس سفيان الثوري، وكان كثير الفكرة، حسن الاستماع، طويل الإطراق، فأراد الحسن أن يحركه ليسمع كلامه فقال: يا فتى! إن من كانوا قبلنا مروا على خيل عتاق، وبقينا على حمير دبرة؛ فقال الفتى: يا أبا عبد الله! إن كنا على الطريق فما أسرع لحوقنا بالقوم.

انظر إلى هذا الفتى وقد لخص المراد بكلمات وجيزة؛ فإن كنت تطارد هدفك دون ملل فإنك ستصله ولو بعد حين، ولم يتضرر يحيى حقي على المدى البعيد من عدم حضور الناس محاضرته؛ فإياك والفراغ! واطرد عنك اليأس والكسل، وثابر لتلحق بركب الناجحين؛ فالأمر يستحق العناء.

دلالات