رياضة... يوم أجبرنا مدرس الرياضة على الاستقالة (6)

رياضة... يوم أجبرنا مدرس الرياضة على الاستقالة (6)

02 يوليو 2018
+ الخط -
أخبرتكم سابقاً أن الشبان في بلدتنا اهتموا بالرياضة على نحو مبكر، فكانت ألعاب رياضية كثيرة تُمَارَس على الساحات الترابية التي تحيط بالبلدة، أو في بيوت مهجورة، أو دكاكين حَوَّلها أصحابُها إلى ما يشبه النوادي..

أنا لا أتحدث هنا عن الألعاب القديمة مثل الْحَاح، والطميمة، والهنكدار، والعصمينه، وسباق المسافات القصيرة، والسباق على الدراجات الهوائية (البسكليتات)، وإنما عن الألعاب النظامية التي أصبح لها قوانين واتحادات وحكام وجمهور.. إلخ.

والغريب في أمر الرياضيين الذين أنتجتْهم بلدتنا، في تلك الأيام، أن الواحد منهم كان يمارس لعبة كمال الأجسام، ورفع الأثقال، والقفز على الثابت، والنط بالزانة، والجنباز، وكرة اليد، وكرة السلة، والكرة الطائرة، في آن واحد، وكأنه ليس لاعباً عادياً وإنما موسوعة ألعاب..


وكان لكرة القدم جاذبية خاصة، تبنتها وسائل الإعلام فانتقل معظم اللاعبين إلى كرة القدم، بعدما طَوَّروا اسمَها من فوتبول إلى فاطبول ثم إلى "ساطبول".. كان الشباب يلعبون بالساطبول أحياناً على البيدر الغربي، وأحياناً في ثانوية معرتمصرين الرسمية التي سميت فيما بعد ثانوية "حسن السحيل".

وكانت أشكالُ (أو: موديلاتُ) الرياضيين ليست كلها على نمط واحد، فهناك شبان طوال القامة، أجسامهم ذات تقاسيم رياضية واضحة، وهناك شبان لا تتناسب أجسامهم وأشكالهم مع كونهم رياضيين على الإطلاق، فإذا نظرت إلى شعر رؤوسهم لبلغ بك العجبُ كل مبلغ، ذلك أنها، في الأغلب، طويلة، ومشعثة،.. وحينما تتعرق الرؤوسُ من شدة الجري، والقفز، والمرافسة، والمناطحة، ويتخللُها هواءُ الصيف، فإنها تصبح جذابةً للغبار، وتسحبُ إليها ما يحملُه الهواءُ من قشور وأوساخ، ليصبحَ رأسُ اللاعب الرياضي مثل عش العصافير الذي يسميه أهل معرتمصرين (اللبدة)! وبالمناسبة: حينما كانت كتلة اللاعبين تنقسم إلى فريقين، لم يكن لديهم لباس موحد يميزهم، وكنت، وما زلت أعجب من مقدرة أعضاء الفريق الواحد على تمييز بعضهم البعض أثناء تمرير الباصات..

ذات مرة جاءنا أستاذ رياضة خريج الدفعة الأولى من طلاب الكلية الرياضية. حاول أن يعلمنا القوانين، ففشل، أولاً، بداية في فرض اللباس الرياضي الموحد علينا، وفشل ثانياً في تعليمنا الخطط الرياضية، وفشل في تعليمنا المصطلحات اللازمة للعب مثل: باص، وبينالتي، وأوفسايد، وأربعة أربعة تنين.. وكان يحترم نفسه بالفعل، فاستقال، وعدنا نحن نلعب بطريقتنا العجيبة الغريبة..
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...