القراءة وتقلبات الذات

القراءة وتقلبات الذات

16 يوليو 2018
+ الخط -
ماذا يعني أن تقرأ؟

لا أريد بالقراءة هنا تلك التي تكون لها غاية محددة بذاتها لحظة الإقبال عليها، التسلية وقتل الوقت مثلاً، أو محاولة الحصول على بعض المغامرة والتشويق مع رواية، هذا النوع من القراءة ينتهي تأثيره بعد دقائق معدودة من الانتهاء منها.

إنما الذي يعنيني تلك القراءة التي لا سبب محدداً لها، ولا حتى المعرفة بحد ذاتها، والتي تبدو هدفاً سامياً، فأن تقرأ لتعرف يعني أنك تختزل القراءة إلى مجموعة من معلومات محددة.


ما أعنيه بالتحديد تلك القراءة التي تمثل رغبة ملحة مبهمة، والتي لا تقف عند حدود المعرفة الضيقة، بل تتغلغل الى درجة التغيير، أن تقرأ وتتغير وأنت تقرأ، دون أن يكون ذلك التغيير مطلباً أولياً وإنما نتيجة عفوية لا سبيل إلى فهمها وبالتالي إلى وقفها.


القراءة كاغتراب دائم عن الذات. كتوهان في محيط لا ترى شواطئه. هنا يتحول فعل القراءة إلى سلوك يتوازى مع السلوك على مستوى الحياة العامة للفرد، وتتحول القراءة بذاتها إلى حياة بموازاة الحياة. وهنا، برأيي، تبلغ القراءة ذروتها.

وهناك كتب خاصة، لن أحدد فلربما يكون لكل قارئ كتبه الخاصة المختلفة، لا تعود علاقتك بها مجرد علاقة قبول أو رفض، بل لا تستطيع أن تحدد موقفك منها بالضبط، مع ذلك تشعر بأنك قد تشربت بها ولا تستطيع منها فكاكاً.

أن تقبل على كتاب، وأنت لا تنوي وضع أفكاره على محك النقد أولا، بل أن تتركها تتلبسك فتشعرك لحظة انتهائك من القراءة وكأن هناك اشياء داخلك قد تغيرت، وأخرى جديدة تسللت، ثم بعدها سيتبين مدى قدرة هذا التغير الجديد على الصمود.

إنها محاولة لتقييم القراءة تجريبيا: تستقبلها وتحتضنها وتتركها لتحاول اثبات جدارتها. أما تلك القراءة التي يتخذ فيها القارئ دور السياف فيقطع رقبة كل فكرة جديدة لا تنسجم وأفكاره المسبقة، فهي القراءة الأبعد عن النمط الذي أقصده، بل هي، كما أرى، النمط الأسوأ، فهي تشبه دخولك حديقة غناء فلا تستمتع بعطر وردها!

القراءة التي أعنيها هي تقلبات للذات، وفي الوقت نفسه، سعي دائم للبحث عنها، سعي لا تقدم عليه رغبة منك في ان تصل وإنما لمجرد أن تسعى. ولكن هنا خطوة جبارة ينبغي القيام بها، إنها استشفاف المعنى من الأشياء بذاتها لا بعامل خارج عنها، هل يمكن القيام بهذه الخطوة؟!

دلالات

09AFC7C7-AA33-41CB-83DB-F34125594AA0
حسين جبار

مواليد بغداد، مهندس حاسبات وبرمجيات. كاتب وشاعر مهتم بالفلسفة والتأريخ ودراسات الأديان والعلوم الإنسانية. نُشرت لي مقالات وقصص وأشعار باسم حسين جبار وحسين المسلم. يقول: أنا لست شاعرا ولا عاشقا ولست حتى عابرا، أنا لست إلا شاهدا في جسد العالم المريض، أمشي حاملا مدونتي، أسابق آفة الزمن، أسبق مرة حاضري ويسبقني مرة الماضي، أنا في الحكاية سطر هامشي لكنه يحمل المعنى الخفي.

مدونات أخرى