"كار بوولينج؟"... انس!

"كار بوولينج؟"... انس!

15 يوليو 2018
+ الخط -
لا يخفى أن ملء خزان سيارتك العائلية متوسطة القدرة هذه الأيام قد يكلفك مبلغا باهظا جدا إذا ما ضربناه في عدد مرات ملء الخزان شهريا، وإذا قارناه بمتوسط دخل الفرد في الطبقة المتوسطة أو دون المتوسطة. عبء جديد يلقى على عاتق المواطن في تلك الطبقات لينغّص حياته ويعقدها أكثر للأسف.

وللتخفيف من ذلك، وحتى تنتهج الدولة سياسات أكثر رفقا بالفقراء ومحدودي الدخل، يقترح العقلاء حلولا لمالكي السيارات لمواجهة الارتفاعات الجديدة في أسعار البنزين. فينصحون مثلا بما يعرف في الخارج بالـ car pooling أو النقل التشاركي.

فكرة عظيمة طبعا، قوامها نقل كل مجموعة متقاربة السكن والوجهة بسيارة واحدة، وتبادل ذلك بين أفراد المجموعة بالاتفاق طوال الأسبوع كيفما ناسب ظروفهم. فكرة توفر البنزين والمجهود وأجرة موقف السيارات وتكاليف الصيانة. وهي فكرة عالمية وقديمة ومجربة ومشهود لها بالنجاح حتى في البلاد الأعلى دخلا كالولايات المتحدة. ليست تجربة رعناء ولا مجازفة ولا ضربا للودع إذن..


لكن.. وآه من لكن! هي للأسف فكرة عمل جماعي، ونحن سيئون في كل ما يخص مهارات العمل الجماعي بكل حزن وأسى. جهودنا يجب أن تبروز بأسمائنا فقط. ونشعر بقلة القيمة والغبن عندما نتشارك. خصلة تربيها البيوت والمدارس في الطفل منذ صغره عندنا. وبالتالي سيصطدم موضوع تنظيم جدول للانتقال بسيارة واحدة بين الجيران أو زملاء العمل مع الوقت بعدم التزام البعض بالمواعيد، وبتذمر بعضهم من أتفه تفصيلة، وبانتقادات بعضهم لقيادة بعض الآخر، وبـ"استخسار" بعض سياراتهم ومقارنتها بسيارات آخرين، وبعدم قبول الحوادث القدرية واعتبارها رسائل سماوية لإنهاء التجربة.. وهكذا.

نحن قبول بعضنا لبعض ضيق جداً، واحتمال بعضنا لبعض أضيق بالرغم من تشابهنا الشديد. سبحان الله!

أضف إلى هذا مرضا اجتماعيا متفشيا ومتغلغلا للنخاع وهو المظهرية و"المنظرة الكدابة". مرض لعين ومهدر للإمكانات بفظاعة! وهو منتشر في الطبقات كافة، بل أدعي انتشاره في متواضعي القدرات المادية أكثر! وليس أدل عليه من عدد الغارمين والغارمات المحبوسين من فقراء الأرياف بسبب عجزهم عن سداد أقساط الميكروويف والثلاجة الوايت ويل الاثنتين وعشرين قدماً والكيتشن ماشين!

أتذكر في الخارج عندما كان الجيران يعلنون عن إقامة ما يعرف بالـ garage sale أو بيع المستعمل أمام البيوت، للاستفادة من بيع ما لم يعد يلزمهم من أغراض كالأجهزة والأثاث والمفروشات وأدوات المطبخ، كان الكثير من المصريين والعرب يحجمون عن المشاركة في بيع أغراضهم، بالرغم من وجود ما لا يلزمهم منها، وبالرغم من حاجتهم "الطبيعية" إلى مبلغ يقدر ببضع مئات من الدولارات متوقع تحصيله من بيعها. لماذا؟ لأن هناك مصريين وعرباً آخرين في الجوار، وهم لا يحبون "الظهور" أمام أقرانهم في سلم التنافس الاجتماعي بمظهر "المحتاج" إلى المال والباذل الجهد في تحصيله! لكن الظريف أنهم غالبا مستعدون جدا للمشاركة لو لم يكن في المنطقة أشباههم من العرب والمصريين! وكأنها سُبة اجتماعية لا يمارسونها إلا خفية!

هنا شرحه أيضاً. كثيرون سيعانون من أسعار البنزين، لكنهم سيترددون ألف مرة قبل الاعتراف بذلك وتجربة حل جماعي مضمون، وربما سيفصحون عن ضغوطهم في جلساتهم المسائية عن طريق النكات السياسية والمزاح فقط. لكن عند الجد كله سيكون "مكفي وموفي" و"أسد يلا" مهما زادت الأسعار!

كلنا يا عزيزي كان جدنا الأكبر "كائد طابية" طبعاً!!

والحق أنني لا أعرف كم الضغوط التي يمكنها كسر هذا الميراث الاجتماعي والثقافي البالي الذي يهدر أعمارنا وكفاحنا ويغرقنا، أو بالأصح الذي يبقينا دائماً طافين فوق بحور الأوهام!
6FDFDD52-19D3-452D-B4D5-4BCBF97AF6F3
أماني عيّاد

مدونة مصرية حاصلة على بكالوريوس علوم تخصص كيمياء، وبعدها "ليسانس" آداب لغة إنجليزية، من جامعة الإسكندرية حيث تقيم. عملت بالترجمة لفترة في الولايات المتحدة.

مدونات أخرى