رياضة... تكسير الملاعب ضرورة تاريخية (10)

رياضة... تكسير الملاعب ضرورة تاريخية (10)

11 يوليو 2018
+ الخط -
كان شعار "الوحدة العربية" الذي يرفعه حزبُ البعث العربي الاشتراكي يُتَرْجَمُ إلى واقع سياسي عَمَلي من خلال العداء القائم بين مختلف الدول العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، وأما سورية والعراق، القطران العربيان الشقيقان اللذان يحكمهما حزب البعث، تحت شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، ووحدة حرية اشتراكية، فكان بينهما عداء مستحكم، وقيادة كل قطر منهما كانت تتهم قيادة الآخر بالانفصالية والانعزالية، والانجرار إلى الحظيرة الاستعمارية، والتآمر مع الدول الرجعية بقصد زعزعة صمود هذه القيادة وإخلاصها لقضية العرب المركزية فلسطين.

ولا شيء كان يدل على صحة شعار "اللُحْمة الوطنية" مثلُ المعارك الطاحنة التي كانت تدور رحاها في ملاعب كرة القدم بين لاعبي الفريقين المتباريين ضمن المستطيل الأخضر، تتوازى مع معارك أكثر شراسة بين جمهوري الفريقين، إذ بمجرد ما يحصل أي نوع من الاحتكاك يبدأ التكسير والتطبيش، وتأتي سيارات الإسعاف من كل حدب وصوب لتنقل المصابين إلى المستشفيات حيث تضمد جروحهم، وتعلق لهم السيرومات..


وأما رجال الشرطة المدنية المساكين فلا يمتلكون من الصلاحيات غير إطلاق القنابل المسيلة للدموع في الهواء، ووقتها ترى الرجالَ والشبان يركضون على غير هدى، وأعينهم مبتلة بالدموع، يبحثون عن مخرج يؤدي بهم إلى الدنيا الفسيحة، ولكن يا خسارة، يجدون الأبواب مقفلة، أقفلوها لمنع الناس المشحونين بكراهية الوحدة الوطنية من الاصطدام، أو لنقل حقدهم وضغينتهم إلى الشارع.

أذكر حادثة، كما لو أنها تجري أمامي الآن، ذهبنا إلى الملعب البلدي، أنا وابني مرداس، وبعض أصدقائه، وكنا جالسين على المدرج الشرقي الذي لم يقم الاتحاد الرياضي بإصلاحه وتحديثه أسوة بالمدرج الغربي، وبينما نحن نتفرج، في أمان الرحمن، إذ بدأ اشتباك بالأيدي والأرجل بين أناس لا نعرفهم، وبدأت المعارك تتوالد وتمتد باتجاهنا، وقام رجال الشرطة بواجبهم المعهود فأطلقوا القنابل المسيلة للدموع على نحو عشوائي، وأنا تعرضتُ لاستعصاء لم أقدر على حله، فأبواب الخروج الشرقية كانت مقفلة، والقفز إلى الأسفل غير ممكن بسبب كون مفصل ساقي اليمنى متكلساً ومعطوباً، وكما يخرج الفرج للإنسان من قلب الضيق، رأيتُ مرداساً وأصدقاءه قادمين يبحثون عني، وبسرعة البرق اقترب أحدهم من حافة الجدار وقال لي:

- عمي خطيب اطلع على كتفي.
ترددت قليلاً ولكنه صاح: بترجاك عمي اطلع.
فصعدت، وأنزلني إلى تحت، وركضنا معاً إلى باب صغير هو عبارة عن ثقب في الجدار الشمالي كان يستخدم لتهريب الشبان الذين لا يمتلكون ثمن بطاقة دخول، فخرجتُ أنا قبلهم، وخرجوا بعدي ونجونا بجلدنا من إحدى معارك اللحمة الوطنية المظفرة..
يومها قال لي شقيقي "مالك" بلهجة ساخرة: يا أستاذ خطيب إذا بدك تروح على مباريات اللحمة الوطنية روح بالأول صَلِّح المفصل تبعك!

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...