سمر رمضاني.. نكات تُميت من الضحك (11)

سمر رمضاني.. نكات تُميت من الضحك (11)

08 يونيو 2018
+ الخط -
(رمضان 2005- إحدى الليالي).

كان التردد بادياً على صديقنا الأستاذ كمال الطبنججي. يريد أن يحكي حكاية من عالم الصحافة، ويخشى أن يحتج عليه السامرون، ويقولوا له: حل عنا ياه.. هل نحن نفهم بالصحافة وما صحافة؟ 

الغريب في الأمر أن الخال فارس هو الذي أيّد الأستاذ كمال، وطلب منه أن يحكي حكايته.. وعندما سئل عن السبب قال إن معظم الموجودين هنا فلاحون، وبمجرد ما يجدون فرصة سانحة تراهم يتحدثون عن الكدش والبغال وآلات الرجاد والدراس والتقليم، وهادا يقول لك حلبت العنزات، والثاني يقول لك أخدنا الجحش إلى الساقية لكي نسقيه ماء، ولكنه حرن وصار يرفس بالجوز، ومن هادا الحكي.

قال أبو سلوم: هاي حكاياتنا يا حاج فارس. على أيش بدك نحكي؟ ع الكومبيوتر؟ ولا ع نظرية نيوتن؟

قال الحاج فارس: حكاياتكم على راسي وعيني، ولكننا نحفظها عن ظهر قلب، وأما عالم الصحافة فجميل وجذاب، وبالأخص حينما يروي حكاياته الأستاذ كمال.

قال كمال: في يوم من الأيام جاء مدير تحرير جديد إلى إحدى الصحف، هذا المدير أراد أن يطور الجريدة، فجمع محرريه الكسالى، وطلب منهم أن يقدموا له اقتراحات بإحداث أبواب وزوايا جديدة جذابة للقارئ. المحررون تحمسوا للفكرة، اقترحوا عليه أفكاراً لا يوجد فيها أي شيء جديد أو متميز.. ولو أنه سمع منهم ونفذها لتراجعت نسبة مبيعات الجريدة إلى خمسة بالمئة، وهي في الأصل لا تتجاوز عشرين بالمئة من حجم النسخ المطبوعة..

لم يعبأ مدير التحرير باقتراحاتهم، وشغل عقله، فخطرت بباله فكرة جيدة، وهي أن يستكتب أديباً ساخراً من خارج ملاك الصحيفة. قال لنفسه إن العمود الساخر هو الأكثر جاذبية للقراء في كل صحف العالم. ونفذ الفكرة حالاً.. اتصل بالكاتب الساخر (نون عين)، وطلب منه أن يتحف الصحيفة بزاوية يومية لقاء أجر مرتفع نسبياً عن أجور الكتاب العاديين. 

قال له نون عين: يومية؟ هذا كثير.

فقال مدير التحرير: يا أستاذ نون، ماذا أقول لك؟ الله وحده يعلم بالحال الذي أنا فيه، فالصحافة أصلاً، لكي تكون ناجحة يجب ألَّا تعتمد على المحررين الموظفين إلا في حدود ضيقة، وأما أنا فكل المحررين الذي يعملون في صحيفتي موظفون، لا هَمَّ غير تغييب الشموس وقبض الفلوس. وأي موظفين هؤلاء الذين عندي؟ قسماً بالله أنا مستعد للتخلي عن معظمهم ومن دون بديل! فما رأيك؟

ضحك نون عين من الطريقة التي يتحدث فيها مدير التحرير عن محرريه وقال له: حسناً، أنا موافق على كتابة الزاوية.

قال أبو عبدو: هيك انحلت القصة. أكيد حجم المبيعات زاد بعدما طلعت الزاوية الساخرة.

قال كمال: كلامك صحيح مئة بالمئة، ولكن، وبينما كانت مقالات نون عين الساخرة الباعثة على الضحك الراقي تنتشر، وتجتذب إليها القراء، وترتفع مبيعات الصحيفة شبه الميتة يوماً بعد يوم، إذ استيقظ الميل للإضحاك لدى المحررين الموظفين النكرات الكسالى، وشرعوا يضغطون على أمين التحرير لكي يُبعد نون عين عن الصحيفة، متذرعين بأنه من خارج الملاك، ومن ثم فهو يأخذ حقهم في الاستكتاب، وفي الشهرة.

وفي أحد اجتماعات التحرير قال أحدهم: يا أستاذ اسمع ما سأقوله لك ولسوف تقتنع بالتأكيد.

قال أمين التحرير على مضض: شرف.

فقال الرجل: يوم جمعتنا وطلبت منا أن نقترح عليك زاوية جديدة، يشهد الله أنا خطرت لي فكرة زاوية ضاحكة من هذا القبيل، ولكنني نسيتها، أو أنسانيها الشيطانُ لعنة الله عليه، وأما الآن فقد قدحت في ذهني أفكار كثيرة لزاوية من هذا القبيل، وكذلك زملائي الآخرون، أتدري؟ سأبوح لك بسر. نحن بالفعل محررون فاشلون، ولكننا فاشلون في التحليلات السياسية والفكرية والاستطلاعات المصورة وما إلى ذلك، أما في مجال الإضحاك فلا يهمك شيء، نحن جاهزون، والدليل أننا، كل يوم الصبح، نتبادل بين بعضنا النكات التي تموت من الضحك.

شكا أمين التحرير أمره لله، وطلب من (نون عين) التوقف، واستولى الشباب الكسالى على الزاوية، وشرعوا يكتبون فيها قفشات تشبه اللطم بقبضة اليد على المناخير، والصحيفة عادت إلى سابق عهدها في الكساد، وحينما اتصل أمين التحرير بنون عين ورجاه أن يعود، رفض.. وقال له: 

- شوفوا غيري واجعلوه قَبْراً لصيحفتكم النافقة!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...