هل الغرب ديمقراطي معنا؟

هل الغرب ديمقراطي معنا؟

07 يونيو 2018
+ الخط -
غالباً ما تُستقبل كلمة ديمقراطية في النقاش العربي العام، وخصوصاً ضمن المجتمعات العربية التي تعيش أو يُفرض عليها أن تعيش حالة من المواجهة مع الغرب، بكثيرٍ من الحدّة والانفعال وقليلٍ من العقلانية، نتيجةً لربطها بشكلٍ مباشر مع سياسات وممارسات الغرب تجاه القضايا العربية وتحديداً القضيّة الفلسطينية منها. 

وأزعم بأنّه للخروج من هذه الثنائية (ديمقراطية – غرب)، وإنهاء حالة الجدل حول قبول أو رفض الديمقراطية كمنتج حداثي بالمقام الأول، يخضع لاحقاً ضمن الشروط الحاليّة للعلاقات الدولية إلى استخدام إمبريالي من طرف الغرب، فإنّه يجب إعادة قراءة ثنائية (ديمقراطية / استعمار) من منظورٍ تاريخي كأهمّ ظاهرتين حداثيتين خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر.

فالديمقراطية من جهة، هي صيرورة سياق داخلي محض أورو غربي، حدّد شكل أو طبيعة العلاقة ما بين الدولة الغربيّة والمجتمع الغربي تحديداً. هذا السياق بدأ بالدولة القومية، وانتهى بالدولة الأمّة، أي الدولة التي تعبّر عن إرادة الأمّة. الاستعمار من جهةٍ أخرى، إنّما يُعبّر عن علاقة أوروبا الغربية دولاً ومجتمعات مع باقي العالم. هذه العلاقة مبنية بالأساس على نظرة نفعية مادية تجاه الآخر بما يبرر استغلال الشعوب الأخرى، وذلك تعظيماً للمنفعة الشخصية (المجتمعية في هذه الحالة).

فهمنا لهذه النقطة بالذات، أي نقطة الافتراق التاريخي للمسارين، ما بين سياق داخلي ديمقراطي، وآخر خارجي استعماري، يسمح لنا بكسر هذه الثنائية، أو على الأقل الخروج من هذا الانسداد في التعاطي مع الديمقراطية كظاهرة، بل وحاجة أيضاً. بمعنى أنّه لا يمكن أن نسارع إلى ربط الظاهرتين ببعضهما، انطلاقاً من فكرةٍ أساسيّةٍ مفادها أنّ الغرب الديمقراطي مع شعوبه آنذاك، لم يكن بالتوازي ديمقراطياً في تعاطيه مع شعوب العالم الآخر أصلاً، حتّى وإن ادعى الغرب في حينه عالمية تطبيق قيمه الديمقراطية.

وبناءً عليه، يمكن طرح السؤال التالي: هل ينتقص مثلاً الاستعمار الفرنسي للجزائر أو لأيّ دولةٍ افريقيةٍ أخرى، من كون الدولة الفرنسية خلال تلك الحقبة هي في حقيقة الأمر تعبيرٌ عن إرادة الأمّة الفرنسيّة؟ وهل ينتقص ذات الاستعمار من ديمقراطية ممارسات الدولة الفرنسيّة تجاه عموم الفرنسيين؟ أميل إذاً إلى الإجابة بلا. مع العلم بأنّ سياسة دولةٍ ما في الخارج لا بدّ أن تخضع آخر الأمر إلى مزاج الأكثرية الشعبية في الداخل، ولو عنت تناقضاً مع ما قد يتبدّى كمصلحةٍ قوميةٍ عليا، وهذا ما تجب الإشارة إليه في ما يتعلق بظاهرة الاستعمار، إذ إنّ تطوّر الممارسة الديمقراطية في الغرب، وازدياد أعداد الرافضين للاستعمار في الداخل الغربي نتيحة لتراجع مركزية الرجل الأبيض بالمقارنة عمّا كانت عليه في القرون الثلاثة الأولى للحداثة حيث وُجد ما يشبه الإجماع حول قبول الاستعمار، فرضت على الحاكم الغربي إعادة النظر بالاستعمار كوسيلةٍ مباشرة لتعظيم المنفعة.
بالمحصلة، لا يمكن أن تُرهن الديمقراطية كقيمةٍ حداثية – هذا إن اتفقنا بادئ ذي بدء على اعتبار الديمقراطية كقيمةٍ عليا – بممارسات الغرب اللا ديمقراطية، إذ إنّه وعلى الأقل ضمن الشروط الحالية التي تحكم العلاقات الدولية، لا يمكن تخيّل الغرب بعيداً عن حساباته العقلانية، التي تقوده للبحث عن تحقيق مصالحه دونما أيّة مراعاة لاعتبارات قيمية أو أخلاقية اللهمّ إلاّ بالحد الأدنى أو فيما يضمنه سياق تلك المصالح. فقط (وعلى الرغم هنا من مثالية الطرح) إلى حين وجود مؤسسات فوق قومية تعبّر بشكل ديمقراطي عن إرادة الدول/المجتمعات، وتعيد ضبط العلاقات بين الدول على أساس القانون الدولي، وتمتلك بالضرورة صفة الإلزام والإكراه، فإنّه لا يمكن القبول بطرح ثنائية (ديمقراطية – غرب) كأساس لقبول الديمقراطية من عدمه.

7CBEEEA2-B0F2-4C24-AD25-38636D68DFCB
منير خراط

طالب دراسات عليا في قسم العلوم السياسية والاقتصادية بجامعة ميلانو - إيطاليا. كاتب رأي بمجلة the submarine الإلكترونية الإيطالية.