الحياة مدرسة

الحياة مدرسة

28 يونيو 2018
+ الخط -
"الحياة مدرسة" عبارة تتردد على أسماعنا بين الحين والآخر؛ غير أننا لا نسمعها غالباً إلا ممن صُدم بأمرٍ أو مُني بخسارةٍ، فأية مدرسة هذه التي لا تعلّم إلا الألم والخسارة والفشل!!
من يصدّق أن الحياة مدرسة فعليه أن ينظر جيداً فيها، فيعرف كيف يدرس ليكون ناجحاً في حياته، ويحذر ما قد يوقعه في الفشل فيرسب في النهاية.

لكل مدرسة نظام؛ وكذا الحياة في شتى ميادينها، وما يكون من نظام للحياة الأسرية لا ينطبق على الحياة في العمل؛ فالمدير لن يحتملك كوالدك، والزملاء لن يكونوا مهما حسنوا كإخوتك الأشقاء. ومدرستك "حياتك" في بلدك بلغتك الأم تختلف عن الحياة المدرسة في بلد آخر؛ فالمنهاج مختلف، ولغة الدراسة مختلفة، والطلاب ليسوا كالطلاب في بلدك ولا المعلمون.

تتباين المدارس في ما بينها من حيث الكادر التدريسي فيها، ومن حيث خبرة الإدارة، ومن حيث مستوى الطلاب وطبقتهم، ومن حيث سلامة مبناها ونظافته؛ فانظر في من تتعلم منه في حياتك وتستفيد من خبرته فهؤلاء هم معلّموك في الحقيقة، وانظر جيداً في من تُسلِمه قِيادَك في الحياة يديرها لك شيخاً كان أو أستاذاً؛ فهو المدير لك، وخبرته هي النور الذي تتهدّى به في ظلمات الطريق.


ولأن المرء على دين خليله، والصاحب ساحب اعرف من تُصاحب في حياتك فهم مرآتك، ومن يراهم يراك فيهم، وهم تتمة فسيفساء حياتك. واعرف على أي شيء تبني حياتك؛ فالمبنى الظاهر للناس مهم ليعرفوا مدرستك، ومَن تُعجبْه يَدخلْها، في سعادتك إن كانت تستهوي الأخيار فيدخلونها ويزيدون في خيرها! وياللشقاوة لمن يبني حياته على ما يجذب الذباب من حلاوة ظاهرة مع فساد وخراب!!

الحياة مدرسة، وما أكثر موادها الدراسية وما أشد تنوّعها! لكن قواعد اللغة لا تحكم مادة الرياضيات، وقوانين الفيزياء والكيمياء والرياضيات لا تنطبق على النحو والصرف؛ وإن كانت كلها في طبقات نأخذها مرتبةً كل سنة بمقدار.

وكذا نحن في حياتنا لا نصرف الهمّ كلّه في دراسة الطب أو الهندسة ونغفل عن طبّ القلوب وهندسة حياتنا، أو نغرق في الفقه وأحكامه وننسى فقه الحياة ولزوم معرفة أصولها وقواعدها، حتى يغدو متلازماً عند الناس أنّ مَن ينجح في عمله يفشل في علاقاته الاجتماعية، ومن كان حسن السيرة في أهله ساءت علاقاته في من سواهم. وما أجمل أن ننظر في السيرة النبوية لنرى نجاح النبيّ الكريم أباً وزوجاً ومعلماً وقائداً عسكرياً وقائداً سياسياً، وفي كل دائرة من تلك له من يسأله ويستشيره، ففي تأبير النخل لم يسأل خالداً وفي شأن الأسرى لم يشاور نساءه، كما لم يسأل الرجال عن شؤون النساء؛ فاعرف في كل مجال عمّن تأخذ، وبرأي من تعمل؛ فإنه مَن وجب عليك الأخذ برأيه في الفقه قد يتوجب عليك الوقوف في عقيدته، ومن تأخذ عنه اللغة قد يتوجب أن تقف في مروياته، ومن يصلح شيخاً لا يصلح مديراً. والمرء في ذلك كله طالب، ويحتاج كل معلميه، وأن يبرع في كل مواده لينجح، دون أن يغنيه تميّز في مادة أن يتكاسل في أُخرى.

إن المدارس تُبنى لتكون منارة للنجاح والتميز، ومن يخرج منها بالفساد والغش والفشل فقد خرج منها بالقمامة وجعلها له عمامة، فاعرف للقمامة مكانها وللعمامة مكانها، وتعلّم النجاح لتنجح، واعرف الفشل لتحذره.

لا يدوم المرء طالباً في مدرسة الحياة، لكن نجاحه معلّماً ينطلق من نجاحه طالباً؛ إذ فاقد الشيء لا يعطيه، ومن أراد النهاية المشرقة فهي تبدأ ببداية محرقة.
FF42C82E-9059-442A-8E7C-BF37B4B60BBB
ياسين عبد الله جمول

دكتوراة في اللغة العربية وآدابها، محقق وباحث مدقق في كتب التراث لبعض دور النشر، مشرف مدرسة سورية في تركيا، مدير جمعية تعليم خيرية لتعليم الأطفال السوريين، رسالتي للماجستير مطبوعة مع أبحاث علمية وكتابات أدبية وسياسية منشورة.الحياة مدرسة يتعلم منها الإنسان ما لا يتعلمه في مدرسته وجامعته مهما علت درجته العلمية، فعلينا أن نعي جيدا عن الحياة دروسها ونعرف أسباب النجاح فيها، لننجح، كما نهتم في المدرسة بما يضمن نجاحنا في صفوفها حتى التخرج.