إنها الدقيقة 90

إنها الدقيقة 90

19 يونيو 2018
+ الخط -
الدقيقة 90. آخر دقائق مباراة كرة القدم، أو هكذا يجري اختزالها، وإن كان من الممكن أن يمتد زمن المباراة إلى ما بعدها. أصبحت هذه الدقيقة، مؤخراً، أشهر من نار على علم خلال الأسبوع الأوّل من كأس العالم في روسيا.

الشعوب العربية تحديداً باتت الدقيقة 90 حديث شوارعها ومقاهيها وتلفزيوناتها وأعمدة صحفها. كيف لا وقد اكتووا بنارها في جميع مقابلاتهم. لقد تحوّلت إلى كابوس. كانت الدقيقة 90 تفعل بهم ذلك في نفس اللحظة التي تدخل فيها الفرحة على قلوب شعوب أخرى.

مع تكرّر خسارات الفرق العربية، وارتباط ذلك بالدقيقة 90، لم يعد ممكناً الحديث عن صدفة ولا حتى عن "لعنة" كأكثر تعبير جرى تداوله. خسرت مصر ثم المغرب وأخيراً تونس على أعتاب الدقيقة 90، وقبلها جميعاً ورغم أن السعودية كانت متأخرة بثلاثة أهداف فقد حوّلت الدقائق الأخيرة النتيجة إلى فضيحة كروية.


ماذا يحدث في هذا الزمن القصير؟ كيف تنقلب أفراح متوقعة بعد ثوانٍ معدودة إلى بؤس جماعي شامل؟ كيف تسقط حسابات مدرّبين ولاعبين وكأنها كانت بناءات من أوراق؟ ومن ورائها تسقط حسابات استثمارية من المؤكد أنها كانت في جيوب المسؤولين من اتحادات كرة القدم إلى السياسيين؟

إنها دقائق تفضح اللياقة البدنية والذهنية. تفضح البنية النفسية لشعب كامل. كان من الواضح أن هناك شيئاً مكسوراً في نفوس اللاعبين، في ما عدا قلة منهم. لن تشعر معهم بتحفّز خارق يمسح على مدى ساعة ونصف الساعة من لعب الكرة مسافات شاسعة مع الخصوم، من حسن التحضير والتخطيط بعيد المدى والتقاليد وتوفير الإمكانات.

كرة القدم، وهذا جزء من سحرها، تستطيع توفير ذلك، إنها لعبة يمكنها إسقاط المركزية الغربية، وها إن المكسيك فعلت ذلك ببطلة العالم، ألمانيا، خلال نفس المسابقة.

مباراة كرة القدم فرصة لشحن الناس بمشاعر الاقتدار والتجرّؤ على ما هو صعب. هذا هو الدور الذي كان ينبغي أن تلعبه مباريات الفرق العربية، بعيداً عن شكلياتها الترفيهية والتسويقية والسياسية. اللاعبون الذين يقفون على الميدان لهم فرصة تمرير بوارق الأمل والفخر وضرب المثل على العزم والقدرة على تتفيه كل الصعوبات، في لحظة مختزلة وعابرة من التاريخ، ساعة ونصف الساعة من لعب كرة قدم.

هكذا يفعل الأبطال لأممهم، حتى الأمم المفقّرة، وتلك يمكن القول إنها متخلّفة أو محكومة بديكتاتوريات، أو تعيش على وقع الحروب والفساد، يمكن أن تحقّق ذلك. لم تكن الانتصارات في كرة القدم حكراً على الأمم المتقدمة، فهي ليست جوائز نوبل في الطب والفيزياء، لقد كانت البرازيل والأرجنتين وهما تحصدان كؤوس عالم في القرن العشرين تحت الحكم العسكري، وكانت إيطاليا في الثمانينيات تخوض حرباً مع المافيا، وحين حملت كأس العالم في 2006 كانت في نفس الصائفة تهتز بفضائح الفساد.

لو توقفت مباريات الفرق العربية في كأس العالم قبل الدقيقة 90 بقليل لكنّا نتحدّث عن إنجازات ربما، ونهضة في الرياضة العربية، ومقارعة ندية لأمم تسبقنا بأشواط في كرة القدم. كنا سنفعل ذلك، لأننا مثل لاعبينا نخرج من المباراة قبل نهايتها.