مراكز القرار الأميركية التي يحركها اللوبي الصهيوني

مراكز القرار الأميركية التي يحركها اللوبي الصهيوني

17 يونيو 2018
+ الخط -
يعتقد الكثيرون أن أميركا تبسط ذراعيها على العالم بقواتها وقواعدها العسكرية وأساطيلها الحربية المنتشرة على طول البحار والمحيطات، لكن الحقيقة التي لا يمكن أن يجادل فيها شخصان عارفان بخبايا العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن اللوبي الصهيوني المتواجد بأميركا هو المتحكم في السياسات الأميركية وخصوصا السياسة الخارجية، فهو صناعة أميركية لخلق التوتر في الشرق الأوسط وردع كل ما من شأنه تهديد إمبراطورية أميركا حول العالم.

قبل الخوض في موضوعنا لا بد من الإشارة إلى أكثر شخصين خلقا الجدل في الساحة الأميركية خلال السنوات العشر الأخيرة، وتحديدا من سنة 2007 بكتاب تحت عنوان "اللوبي الصهيوني والسياسة الأميركية الخارجية" وهما جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية وستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية.

هذان الأستاذان اللذان يلخصان العلاقات الأميركية - الصهيونية بقولهما: "ينبغي أن تحظى المصلحة القومية الأميركية بالصدارة المطلقة في أولويات السياسة الخارجية الأميركية"، إلا أنه وعلى امتداد الفترة الزمنية الماضية، ولا سيما منذ حرب يونيو/حزيران 1967 ظلت علاقة الولايات المتحدة بـ"الكيان الصهيوني" هي حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية، وأدت المزاوجة بين سياسة الدعم المتواصل وغير المحدود من أميركا "للكيان الصهيوني"، وبين السعي لنشر الديمقراطية في أرجاء المنطقة، إلى إلهاب مشاعر السخط في أوساط الرأي العام العربي والإسلامي، وهددت أمن الولايات المتحدة''.


اللوبي الصهيوني هذا يشمل الكثير من أصحاب الشركات والمصانع العملاقة في أميركا وذات رؤوس أموال ضخمة، والذي يزيد عن 34 منظمة يهودية سياسية في الولايات المتحدة تقوم بجهود منفردة ومشتركة من أجل مصالحها في الولايات المتحدة ومصالح الكيان الصهيوني، ولعل أشهرهم على الساحة لجنة الشؤون العامة الأميركية الصهيونية المعروفة اختصارا بـ"آيباك" وهي أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأميركي، هدفها تحقيق الدعم الأميركي للكيان الصهيوني.

بخصوص التمويل الذي تقدمه أميركا للكيان الصهيوني قدر في الحد الأدنى بما يقارب 90 مليار دولار خلال الخمسين سنة الماضية، والموجه أساسا لتقوية الآلة الحربية الصهيونية التي تبيد الفلسطينيين على مرأى ومسمع من العالم ولا أحد يحرك ساكنا، وبناء المستوطات وتحصينها بأحدث التكنولوجيات الممكنة والمطورة، ولا يكف هذا اللوبي الخطير المتمثل في جماعات الضغط في توجيه السياسات الأميركية، فداخليا يمول حملات الترشح للكونغرس للعديد من النواب بملايين الدولارات وفي نفس الوقت هم الذين ينفدون أجندة اللوبي من خلال التصويت على قرارات تكون في صالحهم وفي صالح الكيان الصهيوني، ويذكر أن أي دولار ينفقه اللوبي للتأثير على نتائج الاقتراع الأميركية، يحصل بموجبه الكيان الصهيوني بالمقابل على خمسين دولارا كمعونة لتمويل بناء المستوطنات وتسليحها.. إنها صفقة مربحة جدا جدا.

أما خارجيا فنعطي مثالا لسيطرة اللوبي على السياسات في أميركا، بخصوص الحرب على العراق فقد كانت تحت ذريعة توفر صدام على أسلحة دمار شامل، والتي اكتشف لاحقا أنها مجرد أكذوبة حاول من خلالها الصهاينة استئصال قوة إقليمية تهدد بقاءها بأياد أميركية من خلال تصويت أزيد من 85 في المائة مقابل 15 في المائة فقط لصالح قرار خوض الحرب على العراق، فخرجت أميركا بخسائر فادحة تجاوزت 300 مليار دولار وآلاف القتلى في صفوف جنودها، وربح الكيان زوال عدو قوي والذي استفاد منه كثيرا وخصوصا في تشييد أنبوبي نفطي ساهم في خفض فاتورة الكهرباء بنسبة 25 في المائة، ولا يتوانى المسؤولون الأميركيون الموالون للصهيونية عن زيارة الاحتلال الصهيوني لتقديم الولاء والطاعة والتصفيق لجرائمهم اليومية وتزكيتها، فلم يحدث يوما أن صوتت أميركا في مجلس الأمن الدولي على قرار يدين جرائم الكيان الصهيوني، بل العكس تكون بالمرصاد بالفيتو ضد أي قرار تأديبي ضده.

أما بخصوص التمويلات والمعونات التي تحصل عليها الدول الفقيرة وخصوصا الدول العربية بالتحديد، فالكيان الصهيوني من خلال ذراعه الأميركية -اللوبي- يتدخل في تحديد مقاييس المعونات الأميركية المخصصة لهذه البلدان، وهذه المعونات ليست إلا رشى لإسكات الأنظمة العميلة وإبعادها عن القضايا الحساسة، وحشدها عند الحاجة، خصوصا في قضايا مرتبطة بالإرهاب ومحاربة التطرف وتشكيل تحالفات تخدم المصلحة التي يريدها الكيان بالدرجة الأولى.

ومن الدلائل أيضا التي تزكي نظرية تحكم اللوبي في مناحي السياسة الأميركية، نعود لما قبل سنة 2001 بقليل حيث حصلت "فوكس نيوز" على مستندات سرية من محققين فيدراليين والتي كشف عنها كارل كاميرون تظهر اعتقال 140 جاسوسا صهيونيا بشأن تحقيق سري تناول التجسس الصهيوني في أميركا، والغريب أن هذا الحادث لم ينشر في أي جريدة أو وسيلة إعلام إلكترونية، ولم يتطرق إليه أي نائب في الكونغرس أو حتى الرئيس الأميركي وقتها.

واضح جدا أن اللوبي يسيطر على الإعلام بجميع أنواعه في أميركا ولديه شبكات متفرعة من المدافعين عن السامية من محامين وأطباء وإعلاميين وأكاديميين ونقابيين وفصائل طلابية في مختلف الجامعات الأميركية، فقد تطرقنا في البداية لأستاذين بارزين، فهذان تم طردهما من مناصبهم كأساتذة جامعيين وتبرأت منهما الجامعة ومن كل أعمالهما، فتأثير اللوبي يا سادة لا يترك مجالا إلا وتغلغل فيه، وكل من يعاد السامية يجب عليه أن يدفع الثمن بأي وسيلة كانت.

سيستغرب القارئ لهذا المقال، ويقول إن الكيان الصهيوني لا يحتاج لتمويلات خارجية وهبات أميركية لتمويل اقتصاده وبناء المستوطنات وتعزيز قدراته الدفاعية، بل هو مكتف ذاتيا في مختلف الجوانب ويعد من القوى الإقليمية حاليا في الشرق الأوسط.

وأنا أقول، إن هذا الكيان الصهيوني غير قابل للحياة، نعم غير قابل للحياة دون تمويلات خارجية ودعم ضخمين، ونعود تحديدا لشهر يوليو/تموز 2004 في افتتاحية بيان موجز لدائرة الأبحاث في الكونغرس الأميركي المعنون بـ"الكيان الصهيوني: المساعدة الخارجية الأميركية: الاحتلال غير مكتف ذاتيا على الصعيد الاقتصادي، ويعتمد على المساعدة الخارجية والاستدانة للحفاظ على اقتصاده"، كل هذه التمويلات تساعد على تشجيع اليهود على الاستيطان في الأراضي المحتلة، وهذه التمويلات الضخمة المستقطبة من الجماعات اليهودية المنتشرة في العالم جعلتها تحتل مراكز متقدمة في تصنيف حول المعايير الأعلى للحياة.

ولا شك أن تحركات الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب المؤيد تماما لسياسة الكيان الصهيوني تظهر مدى تحيزه له، وإعلانه القدس عاصمة أبدية للكيان ما هو إلا قرار اتخذ في عهد أوباما وفرض على ترامب في عامه الأول وكان وراءه ذلك اللوبي الصهيوني المؤثر، ولا يتردد في الدفاع عنه في أي مناسبة أتيحت له بين رؤساء دول العالم، والجذير بالذكر هنا أن فوز ترامب برئاسة أميركا وما شاب ذلك من خروقات والتدخل الروسي المفترض، وكذا توجيه وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير في نتائج التصويت، وأذكر هنا فضيحة موقع فيسبوك الأخيرة، هناك معلومة مهمة وهي أن 60 في المائة من التمويل الذي يحصل عليه الحزب الديمقراطي و 35 في المائة للحزب الجمهوري مصدره اليهود الموالون للكيان الصهيوني، فهذا أمر عادي جدا ومسلمة للمتتبعين للشأن الدولي من علماء السياسة ومختصين في العلاقات الدولية.

وأدعم تحليلي هذا بحديث الساعة، الانسحاب الأميركي من الاتفاق أو الصفقة مع إيران، هذا الانسحاب لم يأت من فراغ، ولعل أهم خطوة سرعت بتنفيذه هو اللقاء الذي ترأسه بنيامين نتنياهو، والذي تطرق فيه لوثائق مهمة وصور وأشرطة تظهر وتثبت حسب قوله استمرار النشاطات النووية الإيرانية والسعي لامتلاك رؤوس نووية، ولمح نتنياهو إلى ضرورة معاقبة إيران، وهذا يظهر جليا أن هناك توجيها صريحا للإدارة الأميركية من طرف الكيان بضرورة الإقدام على خطوة بشأن الاتفاق النووي وتسريع تنفيذها، وهذا ما وقع فعليا.