مهزلة مسلسل "الوصية"

مهزلة مسلسل "الوصية"

16 يونيو 2018
+ الخط -
الناس الفهمانة قَوي، اللي ما يعجبهاش العجب، بتسمي الحالَة اللي فيها هزار كتير وتنكيت: "مَهْزَلة".. 

هُمَّ فاكرين أن الهزل حاجة وحشة، أو، يعني، مش ولا بد.. العكس بقى هو الصحيح، ده أنا بشوف إن الهَزْل أعلى مراتب الجد، وبشوف إن مسلسل "الوصية" للثلاثي أحمد أمين وأكرم حسني وريم مصطفى، والمخرج خالد الحلفاوي، مهزلة كوميدية جميلة جداً.. 

السبب نمرة واحد اللي خلا مسلسل "الوصية" ينجح، وياخد الجماهيرية اللي هيَّه، من وجهة نظري، هو الهزل.. المقصود بالهزل هنا: الابتعاد عن الكوميديا المظبوطة اللي بتمشي ع الصراط، واللي النفر الكوميديان فيها بيمشي وبيتلفت يمين وشمال، خايف حد يتهمه بالتهريج.. مع العلم، يا إخوانا، أن التهريج لُه أهلُه، يعني لما إنته، في الأساس، تجيب ناس فاقدة حس الكوميديا، وتعطيهم نص كاتبُه واد تقيل (مش الواد التقيل بتاع سعاد حسني.. إنما الواد اللي دمه تقيل بالفعل)، بوقتها هتلاقي النتيجة إياها، تهريج وبياخة وأداء (Over).. 

لاكن الشباب اللي شغالين في مسلسل "الوصية" مشهود لهم بالأداء الكوميدي المتميز، الرشيق خلقة ربنا، وأنا بقولها ومش مهتم، إني من أيام الزعيم عادل إمام ومجموعته المدهشة اللي بيجي ف مقدمتها سعيد صالح ويونس شلبي وسهير البابلي، ما أقنعنيش كوميديان مصري بإنه هُوَّ كوميديان أصلاً، حتى في ممثلين، مش ضروري أقول أسماءهم (علشان حضراتكم بتعرفوهم كويس)، اشتغلوا كوميديا، وانعمل لهم دعاية، وهيصة وزنبريطة، وصاروا نجوم شاشة، مع إني الشغل الكوميدي بتاعهم زي اللَطم ع المناخير، وعمرهم ما خلوني أبتسم، فما بالك إني أضحك. آ والنبي.

سبب نجاح مسلسل "الوصية" نمرة تنين، برأيي أنا، هو النص اللي كاتبه مصطفى حلمي وأيمن وتار، بالتعاون مع كتاب تانيين في بعض الحلقات، اللي بيعتمد على مشهدية طويلة بتقوم ع التناغم المدهش بين أكرم حسني وأحمد أمين، بالأخص لما التنين بيمسكوا فكرة، وبيبدوا يناقشوها بشكل جدي، مع أنها عوجة، وساذجة، ومش مزبوطة خالص، بيقله سمسم، مثلاً، لازم نحفظ أسماء الإشارة، بيقله إبُّو: مانَا حافظهم من زمان؟ هم تلاتة، الأصفر والأحمر والأخضر! وبعد طول مناقشة حول مقرر اللغة العربية يقول سمسم: نحن منذاكر لغة عربية ليه؟ أصلنا سقطنا بالفيزيا! 

من يجي خمسة وعشرين سنة، قريت قصة مترجمة لكاتب أجنبي نسيت اسمه، فيها راجل بيصير مليونير، وذات مرة بيلاقي صورة قديمة مجتمع فيها مع زمايله لما كان عَيّل في ابتدائي، وبيخطرله يدور عليهم حتى يبرهم. 

مش عارف إن كان المؤلفين خدوا الفكرة دي وطوروها، حتى ولو كان ده حصل، مش مشكلة، لأن ده قالب معروف، وكلنا منتذكر المسلسل بتاع نهاد قلعي ودريد لحام اللي بيدوروا فيها على الكراسي اللي جدهم خبا ثروته في قلب واحد منها..  

القصد إن فكرة زي دي بتبقى كويسة قوي، وتصلح تكون حامل لمسلسل هزلي، زي الوصية، والمهم في النهاية هو تأليف شخصيات الأيتام اللي لازم يمضوا لإبُّو علشان ياخد وصية والده، هون بقى منكتشف إن بمصر برضه في شباب وصبايا كوميديانات حلوين قوي، يعني هناك جيل كوميدي ممتاز، ويكون في علمك إني الممثل المزبوط بتظهر إمكاناته لما ينحط بجو مناسب زي جو المسلسل اللي إحنا منتكلم عليه.. بضرب لكو مثال بعارفة عبد الرسول ومحمد جمعة وخالد كمال ومحمد طعيمة، ومعظمهم كانوا شغالين مع أحمد أمين في البلاتوه..

الكاراكترات الهزلية اللي عملها أكرم حسني وأحمد أمين في المسلسل ده، لو إنت بصيت وتمعنت فيها، هتلاقي كل واحد فيهم مطلع وشايف كل شي انعمل أفلام ومسلسلات في تاريخ الدراما والكوميديا المصرية، ومتمثل تجارب كوميدية مصرية كتيرة، زي عادل إمام، ونجيب الريحاني، وعبد المنعم مدبولي، وحمدي أحمد، ويونس شلبي، وصلاح السعدني، وطالع منها بشخصيته الجديدة المتميزة، وبالإضافة لـ ده كله بتلاقي طريقة الكاتب الكبير أحمد رجب الهزلية داخلة في صميم تركيبة النصوص والأحداث.. 

عاوز أقول كمان إني، وأنا بشوف مسلسل الوصية، كنت شديد الإعجاب بالكرم الإنتاجي، فالمسلسل كان بحاجة إلى ممثلين وكومبارس ولوكيشنات متبدلة وديكورات وإكسسوارات، حتى كان في مشاهد تحتاج لوكيشنات مشغولة بعناية زي مكان تصوير احتفال المولد، مثلاً، والحقيقة أنها قدمت بشكل مقنع ودون أي تقتير.

العفو منكم يا اخوانا، أنا بالمحصلة مش ناقد فني، إنما حبيت أسجل انطباعاتي الشخصية، وأنبه الإخوة القراء للعمل الفني الجميل ده، وأوجه شكر خاص لكل اللي ساهمنا في إمتاعنا خلال التلاتين يوم اللي فاتوا.   

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...