دفاعاً عن تركيا

دفاعاً عن تركيا

31 مايو 2018
+ الخط -
يمكننا قياساً القول: ذهب شابان سعوديان للسياحة في تركيا، وحينما عادا، سألهما صديق، كل على حدة.. للأول: كيف شاهدت تركيا، فقال: بلد العلم والتطور والحضارة، بلد النظافة وحسن الخدمات، بلد الأمن والدين والمسلمين. فرد السائل: صدقت.

وأما الثاني، فقال: بلد الملاهي والسهر، بلد الانبساط والكيف، بلد الجمال والكحول والنساء، فرد السائل أيضاً: صدقت.

تعجب صديق رابع يسمع القصة، فقال للسائل، عجباً يا رجل، كيف قلت للاثنين "صدقت"، رغم أن كلاً منهما أجاب بكلام مناقض للآخر، فردّ السائل، كلٌ وصف تركيا بما رأى حيث ذهب، فمن قصد السياحة والتطور والدين، سيرى بلداً دخلت نادي العشرين الكبار في العالم، وتطمح لتكون في المرتبة العاشرة أو الثانية عشرة، الخدمات فيها تضاهي أفضل دول العالم وتستقبل أكثر من 30 مليون سائح. وفي المقابل، فيها حرية رأي ومعتقدات، رغم أن معظم سكانها مسلمون، وفيها 84684 مسجداً، بل إن إسطنبول وحدها تحوي 3269 مسجداً.


وأما من ذهب بغرض المجون والسهر، فتركيا أيضاً، فيها كأي بلد متطور في العالم، أماكن لهو وسهر، وفيها ملاه وبارات ونواد ليلية، وفيها "جريرة" أشرار ومبتزين...

لذا، كلا السائحين قال الصدق، ولكن كل بحسب ما هدف إليه من زيارته وما رأى خلالها.

قصارى القول: خرج شباب سعوديون، ومن في حكمهم بكراهية تركيا، ضمن حملة، منظمة ولا شك، للتحذير من زيارة تركيا خلال موسم سياحة 2018 الذي تعول عليه تركيا باستقطاب أكثر من 30 مليون سائح وعائدات لا تقل عن 30 مليار دولار.

وحجة هؤلاء، أن الأمن في تركيا شبه معدوم وأن العصابات المسلحة والأخوان المسلمين يعيثون بأرض الأناضول فساداً وسرقة وإرهاباً، داعين إلى زيارة أي دولة حول العالم، وربما قصدوا أن تكون إسرائيل من بينها، ما عدا تركيا، لئلا يرموا بأنفسهم إلى التهلكة.

ثمة حقائق ربما يعرفها من عاش في تركيا منذ نحو سبع سنوات، أكثر ممن يأتيها سائحاً أو مريضاً يطلب العلاج أو التجميل وزراعة الشعر.

أولى تلك الحقائق، أن في تركيا بعض المحتالين ولا شك، بيد أن "المحتالين" الذين أشار إليهم الأخوة السعوديون، فأماكنهم وأعمالهم معروفة، وهم موجودون حيث ذهب "صاحبنا" الثاني، الذي وصف تركيا ببلد "السهر والمجون".

بمعنى بسيط، هؤلاء هم "الجريرة" الذين يعملون مع ملاه ليلية وبارات و"أكثر" وينتشرون في ساحة تقسيم وما حولها، وبعضهم في منطقة أكسراي والسلطان أحمد، تماما في الأمكنة نفسها التي تكلم عنها "سعوديون" لكنهم بتروا القصة ولم يقولوا لمن يحاولون التأثير في قرارهم السياحي، أنهم تعرضوا للابتزاز أو الاحتيال، وهم في بارات ونواد ليلية.. وأكثر.

وأما الحقيقة الأوجع، فتأتي من توقيت الحملة، ففي حين تتعرض تركيا لـ"حرب اقتصادية" معلنة، بالتزامن مع استعدادها لـ"أخطر" استحقاق انتخابي، رئاسي وبرلماني، من واشنطن وبعض الدول الأوروبية وتل أبيب، ونالت تلك الحرب، وإلى حد ما، من العملة التركية، فتراجع سعر صرفها، أتت الهجمة من بعض السعوديين والإماراتيين، وهم، أو من دفعهم، يعلم ولا شك، أثر ضرب الموسم السياحي في تركيا، إن على الاقتصاد وسعر صرف الليرة، لأن تركيا تعول على عائدات بنحو 30 مليار دولار من السياحة هذا العام، أو على حزب "العدالة والتنمية" والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ببساطة، لأن الاقتصاد، هو السلاح الوحيد الذي ترفعه المعارضة التركية بوجه الرئيس، وكان ذلك واضحاً من خلال برنامج حزب "الشعب الجمهوري" والاتهامات التي كالها مرشحه، محرم اينجه، وكذا برنامج حزب "الجيد" وما قالته مرشحته، ميرال أكشنار.

وأما لجهة الأمان، وبعيداً عن تركيز المعارضة التركية على فزاعة "التطرف الإسلامي" أو ما قاله رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، من أن بلاده أزالت الإرهاب من أجندتها، بل ولم تشهد الولايات الـ81 أي أعمال إرهابية أو عنف هذا العام، يكفي أن نقول للأخوة المروجين، في المملكة والإمارات، أن أنطاليا، كمثال، استقبلت من الروس والعرب والأوروبيين حتى الآن، نحو 1.5 مليون سائح. وأكيد هؤلاء السياح لم يأتوا ليجازفوا بحيواتهم أو "ليرموا بأنفسهم إلى التهلكة".

نهاية القول: ربما تأتي الإجابة على حملة ضرب السياحة بتركيا، أو من وظفها ويقف وراءها، من مقاربة بسيطة..

فإن بحثنا عمّن يحاول إعاقة الاستحقاق الانتخابي وضرب الاقتصاد وتشويه تركيا، وأن أردوغان "ديكتاتور يريد أسلمة أوروبا" فسنجد في المقدمة واشنطن ومن بعدها بعض الدول الأوروبية ومن ثم تل أبيب، بعد صفعة إهانة سفيرها، وليس من الاتهامية بشيء، إن قلنا أن أؤلئك المروّجين بخدمة هؤلاء المرعوبين من نجاح أردوغان.. أو ينفذون أجندتهم على الأقل، بعلم على الأرجح، أو مصادفة، مشكوك بها.. على أقل تقدير.