هلا سألتَ الروح عن هواها؟

هلا سألتَ الروح عن هواها؟

27 مايو 2018
+ الخط -

من الحالات التي تجعل الفرد الإنساني تائها وبلا بوصلة، تلك اللحظات التي تجعله شغفا بحبه وأحبائه بشكل لا جدال فيه، وهي لحظات تسرق أجمل ما في الإنسان، تسيطر عليه بالكامل، ثم تدفعه ناحية أخذه بما لديه، لأن الخسارة هي الوارد الأكبر عند وقوفه على حافة محراب خوفه.

تجلس في حضن الوحش على قارعة الزمن وحيدا، تداعب بقايا الفتات الذي نتج من ضحايا المفترس الذي يداعبك من أجل التهامك بلا رحمة، تجالس روحك لفترات رحمة بها وفرحا بما لها من مكنونات لا يعرفها ولا يتعرف عليها غيرك، تسير على طرقات المفاهيم بغرض أخذ موقع بين المعاني، ثم تسامر العمق بما يشتهيه فلا أهمية بغير ذاك، إذ لا بد من ذاك...


في السراديب الحلوة لا تزال هناك قدرة على مواجهة الذات والإفصاح لها عن حالها الغريقة العتيقة، في مكان ما من الروح هناك الكثير من المغلفات التي تبني للإنسان مكانات مأهولة بروح الفرد ومسرّات الجميع، وبين غياهب المعالم كلها هناك بذور ترتمي بين أحضان البشر من أجل الرفع من جلال الأقدار والنُّذُر...

ترتمي الكلمات بين ظلمات الرنين الذي يصدر من مكان ما من شعاب الروح تمردا وقهرا، لا يوجد أهمّ من ملاجئ الكلمات على سجادات النفس وما يصبو إليها، وعلى هذه المزايا يجد الفرد الإنساني ذاته التائهة غير صبورة على أتفه الأمور، ليأمر بحبسها ضمن قلق الضمير واندثار الأعذار رأفة بما بقي للإنسان من نعيم...

أن ترحل من العالم إلى المجهول هو أمر غير هيّن على الإطلاق، أن تسترجع الكلمات من أجل إقحام الذات في معترك الحياة، فأنتَ بلا شك تقاتل بلا تردد، وهذا القتال هو الفسحة اللا-نهائية التي ترفع الروح إلى مكانات لم تكن تحلم بها قبل هذا، فهي تجتاز كافة الحواجز بهذه القفزة التي يوفرها القتال تحت رايات الفردانية الرهيبة؛ من الصعب على أيّ مقاتل مهما كانت قوته مواجهة روحه المتوحشة، هي أولى خطواته باتجاه الهلاك العاطفي، هي عملية تصلب للذات تحت وقع ضربات المجتمع الذي لا يعرف إلا المعاملات بأدوات اللهيب، هذه الحالة لا أساس لها سوى النظر في عيون ذاك الوحش المهيب.

كل قتال يبدأ بكلمة وخصم، كل مبارزة تنتهي بصراخ وانعدام لذاك الخصم، الصمت هو حياة ثانية بعد الموت الذي يغلفه السكوت أحيانا محدودة، ولا مجال للإنكار أو الندم، فعلامات الإنسانية تُبنَى بواسطة السيوف وجحافل الطائرات المقاتلة، بينما تموضعات الإنسان الواحد تُبنَى بواسطة الملامح والملاحم الداخلية المستترة؛ لم تعد المناورة ذات أزيز غير قابل للوصول إلى الضمائر، فهناك الكثير من الشوائب التي تطبع الرعاية الإنسانية للإنسان، ولم يبق للغرائب من محلات ضمن القاموس الإنساني الجديد، لأنّ المعاناة قد بلغت أوجها بين دهاليز الروح لكل فرد يختفي خلف قناع المعذَّب.

يحمل الإنسان ذاك السرّ بداخله ويحتضنه في آخر لحظاته قبل اتجاهه نحو مربضه النهائيّ، لم يعد للفرد القدرة على التفاهم أو الملاءمة مع خسائره التي تقتطع من روحه أثمان سقوطه المتكرر، صار الفرد الإنساني عرضة لفقدان المعاني، في كل عثرة يفقد أحدها، في كل هفوة يفقد أحدها، في كل زلة يفقد ما تبقى منها، حتى يصل إلى أعلى المعالي، فيصادف تلك الهبة الرهيبة لريح الوجود، تحمل ما تبقى لديه من معانٍ وتمضي مسرعة نحو المجهول، ليتحول في غفلة منه إلى كائن بلا حمولات، لأنه يكون قد فقدها بين زحمة الأيام وضربات الأقدار؛ حقا! لم يعد للفرد الإنساني متسع من الفرص، لأنه يقدمها قرابين من أجل بقائه، دون أن يدري تداعيات ما يفعل.

دلالات

D08B9F1B-0EAB-4EAD-A887-8F137C3CAB02
مزوار محمد سعيد

مدرس لسان عربي.. إذا ما كنت تعتقد بأنك تملك إمكانية إقصائي فأنت حتما مخطئ، لأننا نستطيع الضحك عند مشاهدة الاختلافات ما بين الحيوانات، ونحن واعون بأمر يدعى الموت.

مدونات أخرى