أسماء "الفاشينيستا"... موجة جديدة في الاغتراب الثقافي!

أسماء "الفاشينيستا"... موجة جديدة في الاغتراب الثقافي!

26 مايو 2018
+ الخط -
تعلن بيوتنا حالة الطوارئ والاستنفار القصوى منذ شعور الأم بالحمل، أو إخبارها من خلال الفحص التلفزيوني بذلك؛ بهدف اختيار اسم للمولود الجديد يتناسب مع ما يسميه الأبوان الحضارة أو الحداثة الوافدة إلينا. تبدأ الأم بمطالعة المواقع المتخصصة على شبكة الإنترنت والانضمام إلى بعض المجموعات الحوارية التي تزخر بها الشبكة للوصول إلى اسم يليق بوليّ العهد الجديد؛ لا سيما إذا كان الضيف الذي تجري مراسم استقباله (أنثى). وكثيراً ما تحدث بعض الاشتباكات بين الزوجين على خلفية الاسم الذي يرغب كل طرف بإطلاقه على المولود تفضي في بعض الحالات إلى الخلاف والقطيعة. وهنا يبرز تساؤل مهم: هل نحن إزاء حالة من الاغتراب الثقافي واستلاب الهوية نتيجة لموجات من الغزو الفكري والثقافي والقيمي، أم حالة طبيعية تمر بها جميع المجتمعات ولا مجال فيها للتراجع خارج الركب ووقف عداد الزمن؟

الاغتراب في السياق الثقافي 

إذا أردنا أن نعرّف الاغتراب فإنه: "حالة شعورية أو غير شعورية تدفع الإنسان إلى الرفض أو التمرد أو إنكار موروث أو مجموعة من الموروثات الثقافية القائمة والرغبة في الخلاص منها وتبني ثقافة جديدة في السياق المجتمعي العام". ويرى المغترب أن الحالة الثقافية الراهنة تسبب له حالة من الإزعاج ومصادرة الهوية وتعيق حركة تقدمه، لذا يلجأ إلى الانسحاب أو النأي بالنفس عن المواقف التي يرى فيها خطراً يفقده هويته الثقافية الحقيقية، فتجده في كثير من الأحيان يميل إلى العزلة والوحدة أو يبحث عن مجموعة من الأقران يشاطرونه ذات التوجهات الثقافية التي يؤمن بها، وفي حالات أخرى يحبّذ السفر والانتقال إلى البلد أو السياق الثقافي الذي يعتبره نموذجاً واجب الاتباع والاقتداء. 

الإعلام ودوره في تغييب الهوية 

يعتبر الإعلام وما يقدمه من تصوير وعرض ومونتاج ودراما مبهرة عاملاً مهماً في التأثير على المغترب وإعادة توجيه فكره ومعتقده الثقافي، وهنا نأخذ مثلاً: المسلسلات المدبلجة – (الأميركية والمكسيكية والتركية) وغيرها، استطاعت التلاعب بعقول الكثير من الأسر العربية والإسلامية، فترى الأم أو الأب يشعر بالعار أو التأخر الثقافي بتسمية مولودته الجديدة: (خديجة أو حبيبة أو فاطمة)، ويصر على تسميتها (اسم موضة) حتى لا ينظر المجتمع إلى البنت نظرة دونية أو تكون عرضة للاستهزاء والهمز واللمز من قبل أقرانها في المدرسة أو الجامعة. وكثيرا ما تقوم الأسر بإطلاق أسماء أجنبية أو أعجمية على المولود الجديد لتكتشف بعد فترة من الزمن أن هذا الاسم مخالفٌ لتعاليم الدين وأحكام الثقافة السائدة في المجتمع مثل: (راما، وهو اسم إله من آلهة الهندوس، ظناً منهم أن معناه أرض الحرم، مايا، وهو اسم قبائل تعيش في أميركا الجنوبية، رينا ومعناه أن يَسْوَدَّ القلب من الذنوب والمعاصي)، وبذلك يكون الإعلام قد نجح في تمرير أجندة خفية لاشعورية، والتلاعب بالكثير من أفكار ومعتقدات المشاهد، ليحوله من مشاهدٍ متلقٍ إلى مغتربٍ ناقمٍ على مجتمعه رافضٍ لموروثاته الثقافية والفكرية. وتبدأ عملية الاغتراب الثقافي بقيام الإعلام بما يملكه من سطوة وقدرة على غسل الأدمغة وإفراغها من كيانها الثقافي المكتسب والمتراكم عبر سنوات الخبرة الاجتماعية، تليها موجات متتالية من الحشو والتغذية الذهنية لصالح أفكارٍ وقيمٍ جديدةٍ ووافدةٍ لا تنتمي في الغالب إلى النمط الثقافي المتعارف عليه.  

الاغتراب الثقافي بين ضعف الشخصية والميل للتقليد

لا يمكن حصر عاملٍ محددٍ يمكن القول إنه السبب المباشر الذي يقف وراء حالة الاستلاب الثقافي التي يعيشها الكثير من الأسر العربية والإسلامية، إلا أنه في رأيي يمكن تعليل هذه الظاهرة الى نزوع الكثير من الأسر إلى التقليد غير المتعقّل والرغبة في المباهاة الجوفاء التي تحمل في طياتها حالة من العجز والإحباط وضعف الشخصية أمام المتغيرات الاجتماعية والظواهر الوافدة، وإزاء حالات الضعف والتقليد تظهر مجموعة من العوامل المصاحبة تتمثل بشعور المغترب بالدونية من النمط الثقافي القائم، وأنه لا يمكنه التعايش معه خوفاً على مستقبله ومستقبل عائلته، وكذلك يمكننا ربط هذه الظاهرة بمرور المغترب بتجربة قاسية أفقدته الثقة بالوسط الثقافي الذي يعيش فيه. وفي حالات غير قليلة، يكون الباعث الأساسي لاستلاب الهوية والثقافة عدم فهم المغترب لبعض العادات الاجتماعية وتحميلها مجموعة من التصورات التي لا تلتقي معها روحاً ومنهجاً.

الوعاء الثقافي القائم وتسمية الأبناء

يعتبر الدين أو النمط الاعتقادي السائد رافداً مهماً ووعاء خصباً للثقافة والموروثات التي يسير عليها أبناء المجتمع، وبمقتضى هذا التماهي الكبير بين الدين والثقافة وحالات التأثير المتبادل تجد الكثير من العادات والتقاليد والقيم وأنماط السلوك التي ترفضها الثقافة لا يقرها الدين ولا يجيزها. ومن هنا وضعت الشريعة الإسلامية السمحاء مجموعة من الضوابط والمحاذير التي يجب تحريها عند اختيار الأسماء لأبنائنا، وهي في جملتها لا تخرج عن النسق الثقافي السليم المعافى الرافض للعادات الوافدة التي من شأنها تغييب الهوية الثقافية وانصهار الشخصية وسط معتقدات خارجة عن روح المجتمع الإسلامي. ولسنا بصدد عرض الأسماء المحرمة والمكروهة والمستحبة في الإسلام، أو التحريض على (الفاشينيستا) التي يدين لها الكثير منا بالطاعة والولاء، وإنما لفت النظر إلى موجات عاتية من التغييب الثقافي ما زال ترزح تحتها الكثير من الأسر الإسلامية تحت شعار الحضارة والمدنية من دون ضابط أو كابح.

كلمة أخيرة 

لوضع النقاط على الحروف لا بد من طرح التساؤل التالي: هل جميع أسماء الموضة تمثل حالة من الاستلاب الثقافي يجب تجنبها أم إننا بحاجة ماسة إلى فرز وتمحيص جميع الأنماط الثقافية قبل الاندفاع نحوها بسذاجة ورعونة؟ إن الغرض من هذه الكلمات ليس التنفير من المعتقدات الثقافية الوافدة؛ لا سيما أن هنالك الكثير من الثقافة المنقولة إلينا تلتقي شكلاً ومضموناً مع روح الثقافة الإسلامية، وإنما توجيه الأسرة المسلمة الى ضرورة وضع ثيرموميتر حقيقي يقيس درجة دفء هذه المعتقدات الوافدة وقدرتها على ترصين القيم الأصيلة أو التعايش معها على أقل تقدير، حتى لا ننزلق إلى حالة معقدة من الاستعمار الثقافي تناصب جميع الموروثات الثقافية القائمة العداء والخصومة.

0129593C-65A2-4C3D-AA26-DD2357446546
معاذ محمد الحاج أحمد

كاتب وباحث فلسطيني عضو رابطة الكتاب والأدباء الفلسطينية، له أبحاث في التسويق السياسي، يعمل لدى وزارة التربية والتعليم.