سمر رمضاني... حبي مثل بازار الدجاج (3)

سمر رمضاني... حبي مثل بازار الدجاج (3)

22 مايو 2018
+ الخط -
اليوم السابع من رمضان، الموافق لسنة 2005.

خصصنا سهرة الليلة من هذا الشهر المبارك للحديث عن الحب، الموضوع الأزلي الذي كُتِبَتْ، وما فتئت تُكْتَبُ بتأثيره أجملُ الملاحم والأشعار.

إن قصص الحب التي نعرفها تتراوح في شدتها بين قول الشاعر (ومن الحب ما قَتَل) وبين قول الخال عموري: الحب في هذه البلاد مثل بازار الدجاج في بلدة معرتمصرين، ينعقد وينفض قبل شروق الشمس.

قال أبو الجود: أنا في حياتي كلها لم أحب سوى مرة واحدة، وكان هذا واحداً من أخطائي التي لا تُغتفر.

قلت: تعتبر الحب خطأً؟

قال: لا، ولكنني أمضيت الفترة الصالحة للحب من حياتي وأنا أتجول وأركض من بلد إلى بلد مثل القطة التي دخلت في أذنها ذبابة وهي لا تستطيع التحكم بإخراجها. يومها توقفت الباخرة التي كنت أعملُ على متنها في مرسيليا، واضطررنا إلى أن نبقى هناك شهراً، فقلت لنفسي: تعال يا محمد تعلم كم كلمة من اللغة الفرنسية، فمنها تزجي الوقت في شيء مفيد، ومنها تتعلم لغة القوم الفرنسيين فتأمن شرهم.


وكانت معلمة اللغة الفرنسية في المعهد الذي سجلت فيه، اسمها كلوديا، وهي فتاة تقول للقمر غيب كي أجلس مكانك كالرقيب. ومن عجائب المصادفات أنها وقعت في حبي منذ الدرس الأول، وتصوروا اسم العائلة الخاص بي، ونحن نلفظه على نحو يفشخ الحنك (حفظ الله)، وهي تلفظه من دون أن تفتح فمها أكثر من ربع سنتمتر، HIFZALLA، فهل يستطيع واحد أندبوري زملوطي مثلي أن يقاوم حباً كهذا؟

ثم أردف يقول: نسيت أن أخبركم أنه لو عاد الأمر إلي، وبقيت تلميذاً لديها سنين طويلة، لما جرؤتُ على البوح لها بحبي، وأما هي فسرعان ما قالت لي بفرنسية حاولت تبسيطها وتهجئتها (أنا أستلطفتك يا مسيو هفزللا).

قال كمال الطبنججي: إذا بيسمح لي الخال فارس أحب أن أتفلسف قليلاً جداً.. أقول إن القصة التي حكاها أبو الجود عادية، لأنها أحبته وهو أحبها، يعني ما في عقدة درامية، ولا في تشويق..

ضحك أبو الجود وقال: أولاً القصة لم تنته، وثانياً أنت صاير مثل المرحوم برغش الذي سافر إلى مدينة حارم. هل تسمحون لي أن أرويها قبل أن أكمل حكايتي مع معلمة اللغة الفرنسية كلوديا؟

قال الخال عموري: هي حكاية معروفة يمكنني أنا أن أرويها لكم. فبرغش كان يسهر مع أهل قريته، مثل هذه السهرة، وقال المختار يلزمنا واحد من أهل القرية أن يسافر إلى حارم. فانسل برغش وخرج، وسافر إلى حارم، وعاد في الصباح. وفي سهرة اليوم التالي، أعاد المختار فكرته بضرورة سفر أحد ما إلى حارم، فقال له برغش: أنا سافرت. سألوه: ليش سافرت؟ فقال: سافرت بناء على طلب المختار!

ضحكنا، وقلنا لأبي الجود، متشوقين: وأيش صار بينك وبين كلوديا؟

قال: مضى على حبنا يومان، والثالث، وإذا بباخرة أخرى تتوقف في الميناء، وإذا بشاب طويل، يرتدي الزي الهندي وعلى رأسه طرطور معقوف، وأذكر أن اسمه كان "شام لال بهادور" وإذا بالمعلمة تضعني على الهامش وتقع في حبه!

قلت له: بهذه البساطة؟
قال: والله هذا الذي صار. ولما سألتها لماذا غَدَرَتْ بي، بعد أن أحبتني، أجابتني جواباً مدهشاً.
قال الخال فارس: ماذا قالت؟

قال أبو الجود: قالت لي أنا واضحة في علاقاتي. قلت لك أنا أستلطفك، ولم أقل لك إني أحبك. وأما صديقي الحلو شام لال بهادور فهو حبيب قلبي. إلى الأبد.

ضحكنا جميعاً، وقال الأستاذ كمال بلهجة فيها ألغاز:
- أأنت متأكد أنها استخدمت عبارة (إلى الأبد)؟!

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...