مسلسل مرايا... جرأة كوميديا الموقف

مسلسل مرايا... جرأة كوميديا الموقف

13 مايو 2018
+ الخط -

لا يمكن نسيان مسلسل حجز مكانة مهمّة بين المسلسلات العربية، وعُرِضَ على الكثير من الشاشات التلفزيونية، وهو "مسلسل مرايا" بأجزائه الممتدة لقرابة الثلاثين عامًا، منذ عام 1982 إلى جزئه الأخير في العام 2013، بواقع سبعة عشر موسمًا قدّمت خلالها مجموعة لوحات كوميدية ناقدة وساخرة، نقلها الفنان ياسر العظمة بمشاركة ثلّة من الفنانين إلى النَّاس، ليتخطى مسلسل مرايا مفهوم المسلسلات الكوميدية التقليدية، ويصبح حالة فريدة ومبدعة على مدار عدّة سنوات.

تناول مسلسل مرايا الكثير من الموضوعات الجريئة، سواء على صعيد السياسة أم البيئة الاجتماعية السورية بخاصة، والعربية بعامة، فنجحت لوحات المسلسل التي تتراوح مدتها من 20 إلى 45 دقيقة في عرض عدد من الأفكار والآراء بأسلوب كوميدي ساخر، يستخدم لسان حال النّاس ويعبّر عن قضاياهم؛ لذلك حصد مسلسل مرايا أكبر عدد من المشاهدات خلال مواسم عرضه، وما زال يشهد مشاهدة مكثفة عند إعادة حلقاته على مختلف القنوات التلفزيونية.


إن النّجاح الذي حقّقه مسلسل مرايا اعتمد على الجرأة في طرح الأفكار ضمن إطار كوميديا الموقف، فلم يتردد الفنان ياسر العظمة الذي كان البطل الرئيسي لأغلب لوحات المسلسل في سكب انتقاداته بصورة طريفة تعكس واقع المجتمع، وهنا ظهر دور كوميديا الموقف والجرأة في تقديمها؛ إذ لم تكن أي لوحة من لوحات مرايا المحصورة داخل مكان معين غالبًا، كشركة أو شقة أو منزل بسيط أو مقهى شعبي تنمّقُ طرح الفكرة، بل عرضتها دون تزييفها أو تجميلها، فمثلًا جسّد العظمة في إحدى اللوحات شخصية مدير متهم بالفساد أبدى استعداده لتقبل النقد من الموظفين، أمّا هدفه المستتر فكان اكتشاف الذين وشوا به للانتقام منهم، فالجرأة في نقل أفكار لوحات مرايا جعلتها قريبة جدًا من المشاهدين.

ومن عوامل نجاح مرايا الرئيسية، عدم الاعتماد فقط على أقلام المؤلفين المتخصصين بالكتابة للمسلسل، بل كانت جرأة العظمة وفريق العمل تظهر أيضًا في تقديم مجموعة من القصص التراثية والأمثال الشعبية في بيئة مدنية أو قروية، وهكذا لم تكن لوحات مرايا مقيدة بنمط ثابت، بل تنوّعت لتتوافق مع طبيعة الفكرة المطروحة من خلالها، كما استُخدمت في بعض اللوحات أفكار مقتبسة من قصص وروايات عالمية، كمؤلفات أنطون تشيخوف وعزيز نيسين، مثل لوحة "الرِّهان" المأخوذة من قصة لتشيخوف جسّدها العظمة باحترافية عالية.

واجهت أجزاء مسلسل مرايا نجاحات وعثرات في مسيرتها، وتعاقبت على إخراجها مجموعة من المخرجين أضاف كلّ منهم لمسته الخاصة على العمل، فاستطاع المسلسل تحقيق نجاح باهر جعل الكثير من القنوات التلفزيونية تتهافت على عرضه؛ لأنه كان يشكّل الحصان الرابح لجذب المشاهدين لمتابعة تلك القنوات، وظهر ذلك النجاح بوضوح في جزء 2011 الذي أتى بعد غياب خمس سنوات عن جزء 2006. وعاد المسلسل بجزء في عام 2013، ولكن بسبب حصرية عرضه والأوضاع غير المستقرة في سورية لم ينجح في استقطاب المشاهدين كالأجزاء السابقة، فكانت تلك من العثرات أمام نجاح هذا الجزء من مرايا.

توقف مسلسل مرايا وغاب عن المنافسة في المواسم التلفزيونية الرمضانية، ولكن إذا عاد بجزء جديد سيكون له أثر واضح بين المسلسلات، فوجوده ضمن أي موسم تلفزيوني من شأنه رفع مستوى نجاحه؛ وخصوصًا بعد غياب الأعمال المشابهة له في الجرأة والشفافية المعتمدة على كوميديا الموقف، ومهما واجه مسلسل مرايا عثرات في مسيرته، إلا أن شاشة التلفاز ما زالت بحاجته؛ لأنه يظلّ حالة استثنائية لا يمكن نسيانها أو إنكار وجودها.