بشار الكيماوي... لا انشغال عربياً بالتشابه

بشار الكيماوي... لا انشغال عربياً بالتشابه

08 ابريل 2018
+ الخط -
يقيناً، وليس ظناً، أن حلبجة العراقية - الكردية، مندهشة أكثر من كل هذا الاندهاش العربي المفتعل.. "علي الكيماوي"، لو قدر له أن يرى ما يحدث في سورية منذ 2013 لطلب المغفرة من ضحاياه.

ثمة واقع آخر في كل هذا الذي يجري لإنسان عربي يقتلع من أرضه، تهجيرا باسم "القومية العربية"، وللأسف الشديد باسم "الحاجة للقائد الضرورة"، حاجة لا توجد عند غيرنا. لا؟ ربما لست مصيبا، فلدى تيارات وأحزاب شعبوية وفاشية أوروبية، وغيرها، التهليل للقائد "الضرورة" جار منذ زمن، فلا عجب بدفاعها عن "الفارس" في معبد التطهير.

حكاية شعب يقتل بالكيماوي بالطبع ليست جديدة، وحالة الإنكار الفظ والمقرف أيضا ليست كذلك. في عرف الاستباحة، للعقل والمنطق السليم، يصبح للرواية وجه آخر.

لا مفر من مقارنة بسيطة، في مستواها الأعلى، من انشغالات البطل العربي الهمام الذي وجد "فتحا"، في لقائه مجرم حرب احتل بغداد في مثل هذه الأيام، باعتبار "مشهد الخنوع دلالة تحضر"، فالقتلة المتسلسلون على الجانب الصهيوني لهم حماتهم في واشنطن، أليست قضية مفروغاً منها؟ أم ثمة شك، حتى عند القبائل التي تتمايل وفق نسائم القائد الضرورة؟


في تسجيل التاريخ لا يهم كم قطيعا ردد الرواية، التأريخ له مساراته، بمنهجية لا تخفي أدق التفاصيل، رغم كل الجهد المنكب على التزوير.. إذا، مقابل تلك الصورة، حيث يحمي الأميركي كل مذابح الصهاينة، ثمة حام جديد في دنيا العرب: موسكو..

شئنا أم أبينا، صارت موسكو، التي كانت يوما ما كانت في السياسة باسم "الصداقة العربية -السوفيتيية"، قبل أن تصبح جزءا من مشهد إمبريالي متجدد، بأدوات أوروبا ما قبل بداية القرن الماضي.

عليه، "روسيا بوتين" تجد استحالة أن يستخدم بشار الكيماوي سلاحاً كهذا ليقتل الشعب السوري. الدفاع المستميت عن قاتل مهووس في قصر المهاجرين ليس فيه فضيحة البتة، فبوتين لا يرى أصلا في أدواته ما يستدعي طرح سؤال. الفرجة العربية، جماهيرا وحكاما وأحزابا وصحافة، تتسع لتصل عصرا أميركيا بعصر روسي - إيراني.

في الشام، ليس بعيدا عن المخنوقين بالغاز، ثمة متسع لرقصة، ولطمية تتأسى على زينب. وفي الشام نفسها أيضا، وبكل برودة أعصاب يتصدر الشاشة، متنقلا من المزة إلى ساحة الأمويين، "الدكتور بسام"، الفلسطيني الذي اختار سيده أحمد جبريل أن يكون مسدسا للإيجار، يتباكى على أفعال دولة الاحتلال في محيط غزة، لكنه حين يصل إلى الغوطة يطل الفرح من عينيه "هذه أعظم انتصارات.. ستغير وجه العالم".

التهجير بالقتل والمذابح، لمن احتضنت أرضهم شعبنا الفلسطيني قبل أن تولد عائلة معاتيه القتل القرداحي، والكيماوي ليس السلاح الوحيد، هو "انتصار".

باسم القومية ومعاداة إسرائيل مستعد كل عقل متمنطق بغياب الضمير والمنطق أن يطل علينا شاهرا مسدسه أن "اقتنعوا.. اهتفوا لسيادة الرئيس مقابل ربطة خبز وقطرات ماء".

واقع الحال، كما هو، يروي رواية أخرى. بالأمس قالت "سانا" (الوكالة الدعائية الرسمية المتشبهة ببرافدا الرفاق في موسكو) إنه "لا يمكن لحملة شعلة النور نحو صيدنايا أن يقتلوا بالكيماوي". لكن، سانا نفسها لم تذكر مرة واحدة جوابا عن سبب تسليم الكيماوي في 2013 للإمبريالية الغربية بمعية موسكو.

حتى صحافيو بيروت، من الرفاق القدامى، المتحولون بمقدمات كثيرة إلى عباءات المذهبية باسم "زينب لن تسبى مرتين"، وبأن "خسف حرستا ودوما لا بد منه قبل خروج المهدي"، لا يرون مظلومية في اختناق الأطفال بالغاز، فالفاعل "بطل قومي"، دون تعريف بالظاهر لأية قومية نتحدث، هل هي "لا عرب ولا عربان فلتحيَ إيران"؟

كل شيء، من البداية حتى النهاية ليس سوى "مزحة سمجة"، مثلما هي "فوتوشوب" و"كاتشاب" منذ بداية 2011. الكاتشاب ها هنا يغيب، إذ إن أداة القتل لدى "القائد الضرورة"، حتى في عرف سياسة "التحضر" العربية الجديدة، الداعية لمنح القاتل كرسيه في جامعتهم، لشدة التشابه بينهم، تستعجل لفرض الاستسلام فلا يبقي للمقتولين شيئا سوى زبد الاختناق، ترويعا لبقية باقية من سوريي 2018. هل هو تطبيق "سورية أنحف.. سورية أحلى".. راجعوا هذا الشعار وستدرون عن أي قتلة يرقصون على جثث داريا نتحدث..

أتذكرون، قبل أسابيع، حين كان التهجير بالقتل في أوسع صوره؟ خرج علينا الرفاق في بيروت وموسكو يخبروننا: سيقوم الإرهابيون بفعلة كيماوية لاتهام هذا الحمل الوديع بشار..

الآن فقط نفهم وجه التشابه الذي ساقه ابن خالة بشار، رامي مخلوف، في مثل هذا الشهر قبل سنوات، عن ترابط الأمن الصهيوني - الأسدي. نفهمه على طبيعته لكل الصور العربية التي تذب ما قبلها من شعارات الأكاذيب الكبرى.. تسابقا نحو قتلة متشابهون، وإن اختلفت الأدوات.

هنيئا لجمهور الفرجة.. فرجته.. هنيئا لقيادات عربية بزميلها بشار الكيماوي، الداعية له بالبقاء وحضور قمتهم، هنيئا لأحزاب قومجية ويسارجية وسلفية وليبرالية وجمعيات التزوير من أقصاها إلى أقصاها.. هنيئا في تكرار مشهد يعطي كل أعداء العرب حقا أن يرفعوا اصبعهم الأوسط بوجوهنا جميعا حين ننتقد فظائع قتل العربي وهم يرددون "على الأقل لم نقتلكم بالكيماوي".