مسيرة العودة الكبرى في القانون الدولي

مسيرة العودة الكبرى في القانون الدولي

05 ابريل 2018
+ الخط -
مع قرب حلول ذكرى مرور سبعين عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه ودياره قسراً على يد قوات الاحتلال الصهيوني، انطلقت يوم الجمعة 30 مارس/ آذار 2018، مسيرة العودة الكبرى، في سابقة تاريخية سجل فيها الشعب الفلسطيني ملحمة بطولية جديدة شارك فيها مئات الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني الذين توجهوا بصدورعارية وقلوب مفعمة بالإيمان والأمل في مسيرة سلمية واجهتها قوات الاحتلال الصهيوني بتجهيزات عسكرية وقناصة تنافسوا في استهداف المدنيين بالرصاص الحي، وشنت حكومة الكيان الصهيوني حملات سياسية ودبلوماسية وإعلامية لتشويهها وإفشال مساعيها الحقوقية العادلة. ولكن على الرغم من ذلك كله، برزت مسيرة العودة كحدث تاريخي وعلامة فارقة في مسيرة نضال الفلسطينيين على مدى مائة عام. ويتجلى ذلك في الجوانب الآتية:

أولاً: وجهت مسيرة العودة رسالة مدوية للعالم بأن الأجيال الفلسطينية المتعاقبة ما زالت تحمل أمانة الآباء والأجداد، ذاكرتهم حية بالنكبة، أوفياء، باقون على العهد والتضحيات، يحملون معهم أملاً لا ينتهي بالعودة إلى الوطن المحتل، هذا الأمل الذي يتوارثه الفلسطينيون جينياً، جيلاً بعد جيل. ولعل أهم ما يميز مسيرة العودة وسر قوتها يكمن في جانبين أساسيين، أولهما: شرعيتها القانونية استناداً لأحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، فمسيرة العودة هي نشاط سلمي ومشروع وحق طبيعي وممارسة لحق قانوني كفلته التشريعات والوثائق الدولية والقرارات الأممية طوال سبعة عقود وفي مقدمتها القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
 وثانيهما: سلميتها العلنية وإصرار المشاركين على عدم الانجرار إلى مواجهات مع قوات الاحتلال التي تعمدت استفزاز المشاركين واستهدافهم بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع.

ثانياً: كشفت مسيرة العودة هشاشة دولة الاحتلال الصهيوني وأنطقت قادته لغة أهل البلاد الأصليين، وأعادت للواجهة الدولية بطلان شرعية دولة هذا الكيان الغاصب التي تمعن في انتهاك القانون الدولي والقرارات الأممية، وبذلك تكون مسيرة العودة حقا طبيعيا وقانونيا أصيلا للاجئين الفلسطينيين مكفولا في القانون الدولي والتشريعات الدولية والقرارات الأممية، وتمثل ترجمة عملية للقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1948، والذي أكد في البند 11 على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها قسرا، وتم التأكيد على حق العودة في عشرات القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومؤسساتها. وبعد مرور سبعة عقود ظل فيها هذا الحق حبيس الأقلام والأوراق وقاعات المؤتمرات، قرر الجيل الخامس من الشعب الفلسطيني أن يضع هذا الحق موضع التنفيذ وأعلن انطلاق مسيرات العودة الكبرى.

ثالثاً: انطلاق مسيرة العودة الكبرى، يؤذن ببدء مرحلة جديدة تمثل الانتقال من الأقوال إلى الأفعال وبداية رحلة العودة إلى الديار، وتمثل في حقيقتها تطورا نوعيا وطبيعيا في المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني وتجديد الأمل بالعودة والتحرير، فعندما عجز المجتمع الدولي عن حماية الشرعية وضمان تنفيذ العدالة والقرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية وأهمها 194، أصبح من حق اللاجئ الفلسطيني أن يسعى سلمياً لانتزاع حقه بالعودة والتحرير وتقرير مصيره.

رابعاً: إن مسيرة العودة الكبرى، أقوى رد عملي من الشعب الفلسطيني صاحب الحق في تقرير مصيره على تصريح ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وإجهاض لصفقة القرن، وتشكل رسالة جادة وإنسانية للأمم المتحدة والمجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياتهم وإجبار دولة الكيان الصهيوني على احترام وتنفيذ القرارات الدولية وفي مقدمتها القرار 194. ومن جانب آخر، فإن منظمة الأمم المتحدة ملزمة أخلاقيا وقانونيا بتبني مسيرة العودة وضمان سلامتها وتوفير الحماية الدولية لها وتسهيل حركتها والسماح بمسيرها ومرورها في أي من البلدان المعنية، وتحذير دولة الكيان الصهيوني من استهداف هذه المسيرات في الداخل الفلسطيني.

خامساً: إن اقدام قوات الاحتلال الحربي الصهيوني على قمع مسيرة العودة السلمية بالقوة الجبرية واستخدام الرصاص الحي في استهداف المدنيين بقصد قتلهم عمداً، وهو ما نجم عنه استشهاد 18 شخصا وأكثر من 1400 جريح، تمثل جريمة ضد الإنسانية وجريمة عدوانية تستوجب محاكمة قادة الاحتلال الصهيوني أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وهي بالأصل انتهاك صارخ للقرارات الأممية ومخالفة جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 المتعلقة بحماية المدنيين تحت الاحتلال، وهذه الممارسات الإجرامية تؤكد استمرار نهج قوات الاحتلال الصهيوني في الانتهاكات الخطيرة والصارخة للقانون الجنائي الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وهي جريمة عمدية لا يمكن السكوت عليها. ويجب على مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة أن يتحملا مسؤولياتهما القانونية والأخلاقية في حفظ حياة المدنيين وحفظ السلم والأمن الدوليين واتخاذ قرارات حاسمة لوقف اعتداءات قوات الاحتلال المستمرة على الشعب الفلسطيني الأعزل المطالب بحقوقه والقيام بإجراءات فورية لضمان سلامة المشاركين في مسيرات العودة المستقبلية من رجال وأطفال ونساء وتوفير الحماية الدولية وتحذير دولة الكيان الصهيوني من استهدافها كما حصل في المسيرة الأولى.
9CCA9ABB-3959-4C11-9859-245652445B40
معتز المسلوخي

محامي وباحث قانوني مقيم في قطر... عضو الأمانة العامة ورئيس اللجنة القانونية في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج وعضو منظمة العفو الدولية.