العبيد الجدد

العبيد الجدد

04 ابريل 2018
+ الخط -
يظنون أن لا أحد ينتبه إليهم. يلعقون الجدران بوجوه مكشوفة وعن جدارة، ويلتزمون بالانتفاخ كل يوم، ويعتقدون أن كل شيء يعود إليهم. يخوضون بارتياح في كل البحور. لا يقلقون من شيء، لأنهم يعتقدون أنهم بلغوا الهدف الحقيقي من حياتهم. يختلجون من المتعة، ولا يمعنون النظر في أرواحهم المزيفة. ليست لهم أرواح ليخافوا عليها من التيه والجفاف.

ليس لهم أي شيء على الإطلاق إلا تلك المدية التي تدربوا على غرسها في الأعناق، فتراهم بشحذونها ويلمعونها ويعلقونها على أهدابهم كي لا يضيع منهم القتل.

ليس لهم سوى الاصطفاف في خط عسكري أمام الحظ الفاجر لـ "الأخ الأكبر" العنيد. ينتظرون دورهم كي يحصلوا على الأصل التجاري لدوران الأرض. ولا يتعبون من تقاطع الطرق التي تتقدم تحت أقدامهم بإصرار. ولا يجزعون لأنهم يعلمون بأنهم في سباق يحتاج إلى ضريح لينتهي.


يراقبون بعضهم البعض بكيد، ويلامسون ذرى النشوة حين تستيقظ مدية في عنق أحدهم. يسعدون ويفركون أصابعهم كأنهم مروا بمعجزة. وحين تضيق عليهم الدائرة يتحولون إلى أشباح، وقد يتحولون إلى جرذان فزعة أو إلى أذناب تتعمَّد الإقامة الطويلة في الانبطاح الشامل الظليل.

أحياناً يحافظون، من باب التدليس، على مسافة الأمان الضرورية للاقتراب من الهدف، وأحياناً يصنعون الصمام الذي يكفل لهم أن يتأبدوا في الخطوة العليلة والجامدة. ليس لهم موقف واضح. الوضوح يعني لهم أحياناً الإمعان في إثارة الغبار. لا يسمحون لأحد أن يمسكهم متلبسين بفكرة متمردة. هم خارج التمرد، رغم أنهم يحيطون أنفسهم باحتمالاته. يتقدمون حين تتراجع الضواري، ويتراجعون حين يغلي الدم في الأوعية. يفعلون ذلك بدربة عالية. لا يسمحون لأنفسم بأي زلة، لأنهم يدركون أن السواد سيخيم عليهم.

يعتقدون أنهم أسياد، والحال أنهم مجرد عبيد يطوفون تحت ضوء وهمي يغشي أبصارهم. لا شجاعة لهم سوى الغدر، ويكتفون بالعبوس حتى تمر الغيوم. ينتفخون كالثعابين ويلتصقون بمقاعدهم خوفاً عليها من أي حريق مفاجئ. وحين تضيع منهم المصاعد، يدمنون على الأقراص المهدئة، وقد يمزجون دموعهم السيالة بجرعات كبيرة من الكحول. يتصرفون كيتامى صعقهم موتٌ مبكر. يذرفون أرواحهم، ويعلنون التزامهم بالرقص العاري أمام قادتهم العسكريين. والأدهى من ذلك أنهم يحولون أعراضهم المبهمة إلى مداسات.

إنهم يعتقدون أنهم يملكون حق تعليب الأحلام، وأنهم البداية والمنتهى، ويكدون من أجل أن يشهد لهم الكل بذلك. يحبون المديح العالي، ويحولونه إلى سلسلة مترابطة للتقرب من الأسياد والتضرع إليهم على أطراف ذلك الصحن الإسمنتي العتيد. يوالون من والاهم، وينازلون من عاداهم، ويقتنون صورهم للتبرك لفتاً للانتباه.

إنهم يغلفون أنفسهم بالله والشيطان، ويقدمون أنفسهم على أنهم حصة كاملة من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

إنهم ذلك الليل الذي لا يسمح لنهارنا بالانبلاج.
إنهم مجرد استعراض ناضح بأوهام المسرح.

8222C187-E8AA-434A-9F37-A7710B4F7787
سعيد منتسب

كاتب وشاعر وقاص وصحافي مغربي.. من مؤلفاته: ضد الجميع، السفرة الثامنة (قصص) ريش وأثقال (قصص)، تشبه رسوم الأطفال (قصص)، جزيرة زرقاء (قصص)، نديم الأقفال (شعر)، بيت العاصفة (شعر).يكتب في الشؤون الثقافية لصحيفة الاتحاد الاشتراكي اليومية.. ويرفع شعار "لا تهتم كثيرا بالاقتفاء، اخترع صوتك الخاص"