سوري والدواء ألماني والمفصل سويسري

سوري والدواء ألماني والمفصل سويسري

18 ابريل 2018
+ الخط -
أرسل إليَّ أحدُ الأصدقاء رسالة من دولة فنلندا، التي أصبح مع أسرته لاجئين فيها نتيجة للانتصارات الساحقة التي حققها ابن حافظ الأسد بدعم إيراني وروسي ومليشياوي على الشعب السوري، خلال السنوات السبع الماضيات. يوجه إلى الصديق في رسالته الأسئلة السورية الشائعة هذه الأيام:
- كيفك محمد؟ (هو يستخدم القسم الأول من اسمي المركب: محمد خطيب)... بَعْدَك في البلد ولا طلعت؟ وين صرت؟ كيف عيلتك؟ وين صاروا ولادك؟...

ثم ينتقل من الأسئلة العامة الخاصة، ومن جملتها سألني: كيف مفصلك؟

هذا الصديق يعلم أن مفصل ساقي اليمنى متعطل، أو كما يقول الأتراك (Bozuk)، أو، كما كانت تقول لي والدتي الحاجة فاطمة، معاملة. والشيء المعاملة -بلغة أهل معرتمصرين- يعني المشغول، أو المرتب، أو المُعَدَّل بفعل فاعل، مثل سيارة صديقنا (ج) من قرية حربنوش. فقد كانت ماركتها (دوزوتو)، مُجَنَّحة من موديل 1956، وأما محركها فهو (فوردسن- 1968) قوي الدفع، رَكَّبَه (ج) عند ميكانيكي أرمني بحلب عوضاً عن المحرك "البيركنز 1961" الذي كان قد رُكِّبَ للسيارة سابقاً، وهو محرك سهلي، ضعيف، لا يمتلك قوة كافية للدفع والصعود في الطرقات الجبلية الوعرة!... وكان زمور السيارة من موديل "بيجو 404.

وتجدر الإشارة إلى أن سيارة صديقي (ج) تعرضت لحادث على طريق معرتمصرين كفر اليحمول، فانكسرت مرآتها اليسرى، فركب مكانها مرآة كانت لسيارة من طراز فورد أبو دعسة، وبقيت المرآة اليمنى دوزوتو 1956!

وهذا ما حصل لمفصلي المتخرب، فقد مشيت عليه سنين طويلة مستعيناً بالحبوب المسكنة المصنوعة في ألمانيا، ثم توقف الاستيراد في سورية، بعدما قرر حافظ الأسد اعتماد سياسة شد الأحزمة على البطون، لأن ما نهبه من خزينة الدولة في ذلك الوقت لم يرو غليله، فارتأى تجويعنا، وقطع عنا الرز والسكر ومحارم التنظيف والسمنة والأدوية، وبقيت أعيش على الأدوية والمسكنات المصنوعة محلياً حتى سنة 2005 حيث ذهبت إلى طبيب جراح ماهر قام بقص مفصلي الأصلي القادم معي من الوكالة، ووضع مكانه مفصلاً سويسرياً أصلياً أبلغني أنه يصمد في وجه الزمن 17 سنة بشكل تقريبي.

ضحكت وقتها وقلت له: تمام. هيك منكون خالصين.
قال: لم أفهم.
قلت له: أنا الآن عمري 53 سنة أضف عليها 17 سنة يكون الناتج 70 سنة، وهو العمر المتوسط للإنسان، يعني مفصلك هذا ينفعني على مدى الحياة. شكراً.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...