رحيق المحبة

رحيق المحبة

18 ابريل 2018
+ الخط -
في هذه الحياة، التي لم أكن أستحق العيش فيها؛ كم من مرة لعنت فيها الحياة، والسبب وراء مجيئي لهذا العالم المتسخ. توجهت باللوم القاسي لنفسي، لم أعش حياتي كما عاشها الآخرون، كانت طفولتي متقلبة الأحوال، حتى فترة شبابي كانت قاسية علي..

لكن، في الآونة الأخيرة اجتمع بعض الأصدقاء الذين ينحدرون من قريتي، علموا بخبر فوزي في إحدى المسابقات، وقرروا أن يأخذوني في رحلة إلى منطقة رائعة، أبدع الخالق في إنشائها.

صبيحة الأحد، اجتمعنا قرب مسجد القرية، كان كلامنا لا يخلو من المزاح والضحك، جاء السائق بالحافلة، صفراء فاقع لونها، ركبنا وكلنا فرح. النقاش في البداية تمحور بالأساس حول مسألة الرئاسة، رئاسة الرحلة، كان أمامنا خياران، أجلنا حسم هذه المسألة إلى حين رجوعنا.


وصلنا إلى منطقة أوكايمدن، رغم حلول فصل الربيع مازالت بعض التلال يكسوها الثلج، والمياه تمر مرور الكرام بجانبنا. أقاموا الغذاء، طاجيناً مغربياً خالصاً، لذته لا تقاوم، طابع الضحك يخيم علينا. هذه اللحظات من المستحيل أن أنساها.

اشترينا بعض الفواكه الجافة بثمن مناسب، كل واحد منا كلف بمهمة معينة، الجميع أدى ما عليه. حل المساء، وبحثنا عن منزل نكتريه، وجدناه أخيرا بثمن يفرح له من يمشي على هذه الأرض. نشب نزاع مضحك بيننا حول من سينام في الغرفة ومن سينام في الصالون، أجرينا قرعة، كانت منصفة للبعض، وآخر لم تنصفه. عبد الإله شاب جميل، يعتبر نفسه طباخا ماهرا، وثقنا فيه، فأخذ لوازم العشاء لطهيها، ترك العشاء فوق النار وجلس يضحك برفقتنا، فاحترق العشاء، والكل يستهزئ به، تملكه غيظ شديد، وحنق علي كثيرا، لأنني أنا السبب في معرفتهم بذلك.

الجميع استعدَّ للنوم، بقيتُ مستيقظاً لوقتٍ متأخر، ولأنني بدينُ الجسم، خاف "ميلود" من أن أسقط عليه من فوق السرير. البقية (سمير، هشام، محمد، عبد العزيز) ناموا مبكرا، ثم استيقظوا فجرا، لتأدية الواجب الديني. (بوجمعة وعمر والحبيب) ناموا في الغرفة التي بجانب الصالون، فتحوا غرفة الصالون وأيقظوني والابتسامة تعلو وجوههم الطيبة.

ما إن فتحت النافذة حتى رأيت منظرا خلابا يبقى لصيقا في القلب، وكأنني في إحدى الدول الاسكندنافية، لا بل إنها منطقة "أوريكا" البديعة، حيث الأشجار الخضراء والمياه العذبة، وصوت خريرِ المياه الذي يجعل الإنسان منتعشا على مدارِ اليوم، ناهيك عن زقزقة العصافير المترنمة بأشجار الصنوبر.

في الغرفة الأخيرة، نام بعض الحمقى، قضوا الليلة كلها وهم يضحكون، وحينة أخرى يبدأون بمشاداتٍ كلامية خشنة، لم يستيقظوا باكرا. لم أسمع من غرفتهم سوى صفير الشخير وبعض القهقهات.

عندما حل الصباح، تناولنا الفطور، ثم خرجنا صوب مكانٍ نعد فيه الغذاء، اخترنا مكانا مناسبا، ما إن جلسنا حتى بدأت الأمطار بالهطول، إنه منظر بديع لم أشاهد مثله في حياتي. لم نجد حلا آخر سوى الذهاب إلى مكان آخر، بحثنا كثيرا، ثم وجدنا مساحة خضراء قرب أحد المساجد، جلسنا وبدأنا نعد العدة لطهي الغذاء، ليعود تهاطل الأمطار من جديد، جلسنا تحته والأمطار تنزل بكثافة إلى أن توقفت. أصبح الغذاء جاهزا للأكل رغم قساوة الجو، تناولناه ومهرجان من الضحك والاستهزاء يطوف بيننا.

ذهبنا صوب مدينة مراكش، تجولنا في مناطقها الأثرية الجميلة، واكتشفنا معالمها التاريخية، انقسمنا لثلاث مجموعات، كل مجموعة تتجول كما يحلو لها، واتفقنا على موعد العودة قرب الحافلة، للعودة إلى القرية من جديد. حضر الجميع في الوقت المناسب، شغل السائق الحافلة، وبدأنا بالسير، وتوديع مدينة مراكش.

هكذا قضينا ثلاثة أيام رائعة، لن تنسى أبدا. وصلنا إلى القرية حوالي الثالثة والنصف صباحا، وصلت منهك القوى، متعبا جراء المشي. ولكن للتعب لذة جميلة رفقة هؤلاء الأصدقاء الطيبين، لم أضحك منذ مدة طويلة هكذا. هذه الرحلة كانت من أجملِ الرحلات التي قمت بها، تنظيم وحب وتفان.. أحييهم على ذلك.

دلالات

D0771653-5987-472A-9832-BC01A63DAA54
سفيان البراق

مدون مغربي... طالب جامعي في السنة الثانية شعبة الفلسفة. السن 19 سنة وأنحدر من منطقة هوارة نواحي مدينة أكادير.