حاول مرة أخرى

حاول مرة أخرى

17 ابريل 2018
+ الخط -
ديفيد روجرز طبيب كان يجد في نحت الخشب هواية له، وفي بعض الأيام نحت تمثالًا من الخشب وأهداه لأمه؛ فشكرته، ثم اكتشف أنها وضعته في المدفأة! بالتأكيد كان رأيها في التمثال أنه لا يستحق أن يشغل حيزًا في منزلها.

أصر روجرز على حضور ورش عمل في النحت، وتطور أسلوبه شيئًا فشيئًا واكتشف ذلك لأن أمه لم تعد تحرق تماثيله، ولكنها تتباهى بها أمام صديقاتها. بعد سنوات وصلته دعوة من كلية الفنون بجامعة فاندير بليت لإقامة معرض منفرد لأعماله، وعلى هامش المعرض طلب منه عميد الكلية تقديم محاضرة للطلاب.

لو تتبعت كل الناس وفي شتى المجالات؛ لوجدت تشابهًا كبيرًا في نجاحهم، وهذا التشابه يعززه المنطق. يبدأ المرء بممارسة مهنة ما في أحد مجالات الحياة، ثم يطور من نفسه ليحصد بعد مدة نجاحًا ملموسًا في مجاله. قد يواصل الشخص في الاتجاه ذاته أو يرى ضرورة تستوجب تغيير مساره، ومع ذلك فإنه يستفيد من خبراته السابقة ويوظفها لخدمة مستقبله.


الحياة تفرض علينا أحداثًا لا نريدها، وتجبرنا على خوض مسارات معينة، ونجد أن هذه الطرق غير المحببة لنفوسنا قد أفادتنا بشكل أو بآخر. لعل الفشل الذي تجرعته الأمس دفعك لأن تنجح اليوم، وربما كان إصرارك على النجاح اليوم مبعثه موقف فشلت فيه من قبل.

ماذا لو دخل روجرز غرفته وأجهش بالبكاء لأن أمه أحرقت عمله الذي أبدعته يداه، ولو أنه نظر إلى الأمر بسوداوية مريرة، ولم يبصر إلا ضياع ثمرة عمله وكده! لو أنه فعل ذلك لما تحسنت طريقته في النحت، ولما وصل بإبداعه الحد الذي جعل منه ملهمًا لغيره. الانتصارات الكبيرة تفرض تضحيات كبيرة، والمجد يستلزم بذل الغالي والنفيس من الوقت والمال والصحة، فلو أن المجد لا يتطلب عناءً لحازه الجميع.

يكمن سحر الحياة في مواصلة المسير، ويخسر كثيرًا من يتعامل مع حياته بأسلوب تجارة التجزئة؛ فيتحسر إذا لم يكسب كل جولات المباراة. الحياة مباراة متعددة الجولات، ولا بأس أن تخسر جولة أو أكثر، وإنما المصيبة أن تقف مكانك أو أن تترك الملعب.

يقول مايكل جوردن: أستطيع أن أتقبل الفشل؛ فالجميع يفشل في أمرٍ ما، ولكنني لا أستطيع قبول عدم المحاولة. لقد أضاع كثيرون أعمارهم لمجرد أنهم قنعوا بالاستسلام، وأصروا على أن يعيشوا بدون محاولة أخرى. بعضهم رأى الحياة غير عادلة، وبعضهم ارتأى أن الحياة لا تستحق العناء، وبعضهم غرق في اليأس حتى أذنيه؛ فهؤلاء اجتمعوا على مائدة اليأس، وراق لهم البكاء والنحيب.

طلَّق الكلبيون الحياة طلاقًا بائنًا، ونظروا للحياة نظرة مُغرقة في التشاؤم، ورأى شوبنهاور أن الحياة تتأرجح كالبندول بين الألم والملل.

لا تتخذ المتشائمين نموذجًا يحدد لك معالم الطريق، وارسم طريقًا يليق بك ويرفع أسهمك بين الناجحين. إن محاولة النهوض بعد السقوط تمثل شجاعة كبيرة، ويتحلى بهذه الشجاعة الأقوياء الذين يثابرون للنجاح.

لن يمنعك أحد من بلوغ هدفك إلا إن قررت التنازل عن نجاحك، والتنازل يجر تنازلًا والانسحاب يتلوه انسحاب، ومن أكثر من شيءٍ عُرف به؛ فهل تريد أن يشار إليك بين الناس بالانهزامية والبؤس والفشل؟! لا أتوقع أن تكون إجابتك بالإيجاب؛ فكن أشجع من اليأس والخنوع، وإذا سقطت فالتقط أنفاسك واستجمع قواك، ثم امتط جواد الهمة العالية؛ فالكل يسقط ولكن الأقوياء يقفون من جديد، وقف روجرز ونجح، ووقف جوردن ونجح، وما عليك إلا أن تقف من جديد لتنجح؛ فقد يُنْعِمُ اللهُ بالبلوى وإن عظمت ويبتلي اللهُ بعضَ القوم بالنِّعَمِ.