نقطة نظام

نقطة نظام

12 ابريل 2018
+ الخط -
55 ثانية، مدة الفيديو الذي تقاسمه رواد مواقع التواصل الاجتماعي؛ شاب ذو 21 ربيعا، يحاول اغتصاب فتاة قاصر في الشارع العام في منطقة بوشان في المغرب، أمام مرأى صديقه الذي وثق الجرم بالصوت والصورة في انتشاء وابتهاج، رغم توسلاتها، لم ينكسر قلب المعتدي ويكف عن فعلته الشنعاء.

ليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها فتاة لمحاولة اغتصاب، سبق أن تعرضت شابة تعاني خللا عقليا لنفس الفعل من طرف جماعة من اليافعين داخل حافلة للنقل العمومي "الأوتوبيس" بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء. والمغرب ليس البلد الوحيد التي تنتشر فيها هذه الآفة المخزِية، بل تمتد عبر مختلف ربوع الوطن العربي.


خلّف الفيديو حالة شجب واستنكار جماعيين، وتعالت أصوات تدعو إلى فرض أقصى العقوبات على الجاني. إن هذه المقاربة الزجرية اللحظية تبقى غير ذات جدوى وفاعلية للقضاء على هذه الظاهرة المشينة بشكل كلي، لذا يتوجب الانخراط الفعلي للحد منها، على الأخص من قبل المؤسسة الإعلامية من خلال التوعية والتحسيس، أضف إلى ذلك، المؤسسة الدينية التي وجب عليها أن تتفاعل مع القضايا الآنية والمستعجلة.

تجاوب المجتمع مع هذه الظواهر يكون مؤقتا ومحدودا، تبقى مجرد غضبة عابرة، ينحصر مداها في حدود العالم الأزرق، وسيتم تناسيها مع توالي الحوادث، وستعود المياه إلى مجاريها، وستعم الفوضى ويعود الشغب المعتاد، فالفوضى متأصلة فينا.

تدفن جرائم الاغتصاب والتحرش في الصمت والكتمان، لذلكَ وقف الحظ بجانب الفتاة "خولة" حينما وجد الفيديو طريقه نحو "السوشل ميديا". عديدة هي الحالات التي ترزح تحت معاناة وتبعات هذا النوع من الجرائم، لكن نظرة المجتمع للضحايا تصدهم وتمنعهم من البوح والاعتراف، فالنظرة إلى الضحايا يحفها الاحتقار والدونية والخزي والعار.

الأنكى في ما حصل لفتاة "بوشان" أن البعض ممن يدعي في الدين علما ومعرفة، حملوا الضحية المسؤولية عما وقع لها، بدأت التحليلات تتساقط تباعا، وأن السبب يعود إلى لباسها وتبرجها.

بعد كل حادثة اجتماعية يتم تصويب أصابع الاتهام إلى المدرسة بالتقصير في أداء دورها التربوي، وفشلها في ترسيخ السلوك المدني والاجتماعي والقيم الإنسانية، غير أن هذا لن يحصل ولن يتحقق، في ظل الوضع الفوضوي الذي تعيشه مختلف المؤسسات التعليمية عبر الوطن، العنف والشغب.. هو ديدن الغالبية من المتعلمين. لقد سبق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين أن نبه إلى الوضع القيمي بالمدرسة المغربية الذي يتجه نحو الانحدار.

المجتمعات الغارقة في وحل البطالة والأمية تنتعش فيها الجريمة، غياب فرص الشغل لدى الشباب الذي تسلل الإحباط والفشل إليه، الأمية المتفشية في المجتمع وبنسب كبيرة، من العوامل المساهمة في تردي الوضع الأخلاقي.. هذا ليس تبريرا لارتكاب مزيد من الفظاعات المقرفة، لكن "البطالة هي أم الرذائل".
3B013BFE-CC0A-41A9-94BE-D9F8B505D40C
إسماعيل العماري

كاتب مهتم بقضايا التربية والتكوين.يقول: ولد الإنسان ليكتب ويعبر بحرية.