الشيطان يختبئ في حقيبة المعلم!

الشيطان يختبئ في حقيبة المعلم!

07 مارس 2018
+ الخط -
تمسك المعلمة في يدها بطاقات العلامات النهائية، وتقول بأعلى صوتها اسم الطالب المحظوظ المولود لأبوين عبقريين، والذي سيكون هو دون غيره طبيبَ ومهندسَ ورائد فضاء المستقبل: زيد الفلاني 100% مبروك أنت الطالب الأفضل لهذا العام.

كما جرت العادة كل فصل وكل سنة يستلم الطالب "الشطور" علاماته بابتسامة فيها الكثير من الثقة و اللامبالاة بهذا التكريم الروتيني المستحق ويعود الى كرسيه محتفظاً بوصفته السحرية، متجاهلاً هو والمعلمة، التي فعلت المستحيل مع مدير المدرسة لتضمه إلى شعبتها وتفخر بصناعته وحدها، كل الدموع التي يذرفها زملاؤه وزميلاته في المعقد المجاور على شهادة امتياز كرتونية أو مجرد صفقة تشجيعية لأنهم حصلوا على مجموع 99% فقط!

ولما سبق على بساطته أثر سلبي كبير على الطالب "الشطور" لعدم تحدي قدراته الأخرى بمزيد من العمل والجهد والاكتفاء بالثناء عليه وتعزيز ثقته الزائدة أنه الأفضل ولطالما كان كذلك، مما يؤدي في بعض الأحيان لفشله في حياته الاجتماعية وفي كثير من الأحيان في عمله أيضا، إن لم يكن هناك من يرمم هذه الجرعات السامة الزائدة في المنزل.


وله أثر كارثي على مستقبل الطالب في المقعد ذاته والذي يطالب بنقله الطالب الشطور خوفا من قدرته على نقل الإجابات السحرية من ورقات الإجابة، والذي حصل في الامتحان الأول على معدل 30% وبذل جهدا كبيرا حتى وصل إلى مستوى 80% في الامتحان التالي، لكنه للأسف خارج حسابات المعلمة رغم أنه بذل جهدا يفوق بأضعاف الطالب "الشطور" المحبوب والمدلل لدى الجميع.

تمر الأيام و يصبح الطالب "المحظوظ" محسودا من رفاقه في الصف لذنب ليس بذنبه، وتنقطع علاقة معظم زملائه فيه لأنهم يرون أنفسهم بعيدين عن مستواه العلمي وتفكيره المتقدم، وقد يشعرون أنهم محدودو الذكاء والتفكير مقارنة بالميزات التي وهبها الله لهذا الطالب "الشطور"، وتصبح لاحقا علاقات طلاب الصف الواحد تابعة للمعدل السنوي بشكل أو بآخر.

قد يجد البعض في هذا مبالغة لكن كل واحد يفكر الآن بطالب مشابه غالبا لم يعد صديقه لسبب أو لآخر، وبموقف مؤلم مشابه في مدارسنا التقليدية التي ما زال معظمها ينهج منهج "اللحم الك والعظم النا".

من أهم الأمور التي تعزز الثقة بالنفس وتخفف من التنافس السلبي داخل الصف الذي قد يؤدي إلى الحسد المبرر من البعض والغرور من البعض الآخر، واستسلام الكثير من الطلاب والطالبات عن متابعة العمل والدراسة هو مبدأ "مدح الجهد المبذول" وليس مدح "الذكاء"، كما تقول كاروب دويك في مقالتها "المخاطر و الوعود في المديح" وضرورة الثناء على الرقم النهائي والمحصلة، وتشجيع الطالب المتعثر على زيادة الجهد وتلافي نقاط الضعف للوصول للمهارة المطلوبة بدل حثه على "هزيمة" الطالب "الشطور" في معركة البقاء على لائحة الشرف المدرسية..

وكما نعلم حقيقة أن المعلم والمعلمة يمسكان بيدهما حقيبة تحمل علما نافعا ومهارات ومواقف ودروسا تستمر فائدتها على مدى الحياة، وتؤثر على حياة مئات الأطفال الذين يدرسون تحت سقف صف يعني لهم الوطن، فإن الحقيبة ذاتها تحوي جعبات إضافية قد يختبئ فيها الشيطان ذاته.
21489832-C371-4862-87C6-31E2F9D63FF6
محمد المصري

من مواليد 1986، القصير - سورية. درس الأدب الإنكليزي والماجستير في تدريس اللغة الإنكليزية، ويكمل حاليا الماجستير في إدارة الأعمال في لبنان.عمل وتطوع في عدة مؤسسات وجهات إنسانية وتربوية، ويدير حاليا برنامج تعليم الطلاب السوريين في لبنان، في منظمة مابس والتي تضم 184 معلما ومعلمة.

مدونات أخرى