صراع مع السرطان

صراع مع السرطان

28 مارس 2018
+ الخط -
كان هناك شاب في مقتبل العمر يدعى إسماعيل، يعيش حياة هنيئة لا تشوبها شائبة، يستمتع بفترة شبابه. شاب لم يذق بعد من مرارةِ الحياة، ترفرف أجنحته تحت لواء السعادة. كان ناصع البياض، ذا وجه جميل، معتدل القوام، دقيق الأنف. انتقل من مدينة إلى أخرى من أجل إتمام دراسته. لم يكن يعلم أن ذلك الانتقال سيغير مجرى حياته..

بدأ يتأقلم شيئا فشيئا مع أجواء المدينة التي انتقل إليها حديثا، اندمج برفقة أصدقائه الجدد، كانت عمته بمثابة أمه، أستطاعت نوعا ما أن تعوض أمه. رغم أن الأمومة لا تعوض رغم كل شيء.

ذات يوم لمحته عمته بأنه أصبح نحيل الجسم، بدأ يتضاءل ضوء وجهه رويدا رويدا. وألم شديد لا يقاوم يتراكض في رأسه، حتى أصبح النوم غلافا واليقظة حقيقة، كان هذا الألم يفزع له من في القبور، الإنسان غير قادر على تحمل أي ألم كيفما كان نوعه. لازمه الألم لعدة أيام، قاوم إسماعيل كثيرا، ولكن المقاومة لا تجدي نفعا لأن الألم ينهش رأسه وجسده دون رحمة.


ذات صباح، وجدته عمته فاقدا للوعي في المرحاض، والدم ينسكب من أنفه. أخذته إلى الطبيب، قدم له بعض المسكنات، ونتج عنها انتفاخ مريب في عنقه، هنا دق إسماعيل ناقوس الخطر..

بعد أنْ استأصل الطبيب نصف الورم أو أقل، ثم أخذه إسماعيل وذهب به إلى مختبر التحليلات، أجريت له التحليلات بنجاح، لم يستطع فهم نتائج التحليلات، فأرسل صورتها لمجموعة عبر "الفايسبوك"، فأخبروه بمرضه، إنها كلمة يفزع لها من في القبور، إنه مريض بالسرطان، مرض خبيث يقتل الإنسان نفسانيا. بعد سماعه للخبر، انفجر باكيا والدموع ملتهبة في عينيه الغائرتين، أخبر عائلته بمرضه المرعب، لم يستوعبوا الخبر، ولكن الحقيقة لا مفر منها.

هنا سيبدأ صراعه الفعلي مع المرض، انتقل لأحد المصحات من أجل العلاج بالكيماوي، فهذا الأخير يزهق الأنفس، رأى إسماعيل بأم عينيه الشعر يتطاير من الرؤوس، والاصفرار يعلو ملامح المرضى، خاف إسماعيل من شبح الموت، وتوديع الحياة وهو في عمرِ الزهور. رأى ملامح أمه شاحبة جراء الخوف على ابنها الصغير، واضطر إسماعيل أن يطلب من أمه الذهاب والاعتناء بأخيه ووالده. لم توافق إلا بعد إلحاح كبير من طرفه، أخذت والدموع تنهمر من عينيها كقطرات الندى في فصل الربيع.

تعود إسماعيل على الكيماوي، الألم ينخر جسده دون سابق إنذار، رأسه أصبح فارغا من الشعر كفراغ صحراء قاحلة، وجهه أصفر، المرض في أوج عطائه، وينغرس سهم الخوف من الموت في قلبه كالخنجرِ المسموم. بدأ جسمه يتفتت يوما بعد يوم. رغم المرض كان لإسماعيل قلبا طيبا قادرا على تحمل كل شيء، أصبح له أصدقاء يعانون أيضا من السرطان. المشاعر قادرة على محاربة المرض.

لقد حول السرطان إسماعيل من شاب يعاني في عنفوان شبابه إلى بطل استطاع محاربة المرض ووقف بالمرصاد تجاهه، استطاع أن يهزم نفسيته المهزوزة، فأصبحت له مكانة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، ليتحول إلى شخصية أسطورية في الواقع، سواء داخل وطنه أو خارجه. أصبح قدوة لكل مريض. قاوم إسماعيل وقاوم، فاستطاع التغلب على السرطان. ليعود إلينا ببهاء وجهه، وشعره اللامع، وابتسامته النيرة.

هذه قصة إسماعيل، الذي أصبح سلطانا في وطنه، وقدوة لكل من يعاني، حقا إنه سلطان السلاطين وزعيم الزعماء، فمن منا يستطيعُ مقارعة السرطان غير إسماعيل سلطان.
D0771653-5987-472A-9832-BC01A63DAA54
سفيان البراق

مدون مغربي... طالب جامعي في السنة الثانية شعبة الفلسفة. السن 19 سنة وأنحدر من منطقة هوارة نواحي مدينة أكادير.