جبران باسيل... واضطهاد اللاجئين الفلسطينيين

جبران باسيل... واضطهاد اللاجئين الفلسطينيين

26 مارس 2018
+ الخط -
لا ينفك جبران باسيل يحافظ على الصدارة في مرتبته كعدو أول للاجئين الفلسطينيين، فلا يكاد يترك مناسبة تمر إلا ويصر على المساس بحقوق اللاجئين الفلسطينيين وانتهاكها ويبث كراهياته وعنصريته ضدهم أينما حل داخل وخارج لبنان..

آخرها كان تصريحه الغريب وغير المفاجئ خلال الاجتماع الوزاري الاستثنائي لحفظ الكرامة وتشارك المسؤولية وحشد العمل الجماعي من أجل "الأونروا" في المؤتمر الذي عقد في العاصمة الإيطالية "روما" بتاريخ 15 مارس/ آذار 2018، وبحضور ممثلي 90 دولة من المانحين، حيث دعا جبران باسيل - وبصفته الرسمية كوزير للخارجية والمغتربين اللبناني - وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا" إلى شطب كل لاجئ فلسطيني من سجلاتها في حال تغيبه عن الأراضي اللبنانية أو في حال حصوله على جنسية بلد آخر، وذلك حتى تخفف من أعبائها المالية من جهة، ولكي تساهم في خفض أعداد اللاجئين في لبنان من دون التعرض لحق العودة الذي هو مقدس.

ولعل أقل ما يوصف به هذا التصريح الباسيلي بأنه تصريح عنصري بامتياز وغير أخلاقي وغير قانوني ويتنافى مع قرارات الشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي، ولا يناسب المكان والزمان الذي جاء فيهما، فبدلا من الإصرار والتأكيد على حفظ حقوق اللاجئين الفلسطينيين والمطالبة بإضفاء صفة اللاجئ على جميع اللاجئين الفلسطينيين خارج مناطق عمل الأونروا الخمس (الأردن - لبنان - سورية - غزة - الضفة الغربية)، نجده يستغل فرصة وجوده في المؤتمر ليوجه ضربة جديدة لقضية اللاجئين الفلسطينيين تخدم المشروع الصهيوأميركي وخططهما الساعية لإنهاء وكالة الأونروا وتصفية قضية اللاجئين وإسقاط حق العودة وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي يقيمون فيها، وهذا يتلاقى روحا وجسدا مع صفقة القرن المبشر بها، والتي بدأت بوادرها تنفذ على الأرض بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.

ومن الناحية الموضوعية فهو طرح خطير جدا وغير مسبوق البتة وينم عن فكر شيطاني خبيث سبق به جبران باسيل رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو وحليفه ترامب، اللذين يسعيان لتفكيك الأونروا وإنهائها ونقل صلاحياتها إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ولم يطالبا بشطب اللاجئين الفلسطينيين من سجلات الأونروا وإسقاط صفة اللاجئ عنهم؛ فمن المخجل والمؤسف أن تصدر هذه الدعوة من وزير خارجية دولة عربية من الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين.. فكيف إذا كانت صادرة من وزير لبناني!


لبنان الذي شارك في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948، بشخص الدكتور شارل مالك، الذي كان أحد أعضاء لجنة ضمت 9 شخصيات عالمية وكلفت بصياغة مشروع نص الإعلان.. فما هذه المفارقة العجيبة بين زمنين تغير فيهما دور لبنان كثيراً!.. وما أوسع الفجوة بين الوزير جبران باسيل والدكتور شارل مالك!

من جانب آخر، فإن باسيل بهذا التصريح يسيء إلى لبنان ويظهره كدولة تتنصل من التزاماتها الدولية كدولة مضيفة للاجئين الفلسطينيين، وهو أيضا يورط الدولة اللبنانية في مؤامرة تفكيك الأونروا وسياسة ترامب الهادفة لإنهائها وإسقاط حق العودة وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.

ومن غير السائغ منطقيا وواقعيا تبرير تصريحات جبران باسيل بأنها تخدم قضية اللاجئين الفلسطينيين وتساهم في استمرار عمل الأونروا. فلا يعقل أن وزير خارجية وسياسيا بارزا مثله لا يعلم الآثار القانونية المترتبة على إسقاط صفة اللاجئ عن اللاجئين الفلسطينيين ويجهل الارتباط العضوي والقانوني بين الأونروا وحق العودة؛ لذا جاءت تصريحاته متناقضة بشكل جوهري، فهو من جهة يطلب شطب اللاجئين الفلسطينيين الذين يغادرون لبنان ويحصلون على جنسيات أجنبية من سجلات الأونروا لتقليل التكاليف، ومن جهة أخرى يختم بقوله إن حق العودة مقدس.

وفي حقيقته، فإن هذا التصريح عنصري بامتياز مقصود بذاته وليس وليد صدفة أو زلة لسان أو ارتجال أو خطأ في التعبير، فالتصريحات كانت مكتوبة مسبقا ومدروسة وتستهدف بشكل مباشر المساس بالحقوق القانونية المكتسبة للاجئين الفلسطينيين وكسب النقاط في السباق الانتخابي.

ومن الجانب القانوني، فإن هذا التصريح في جوهره ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية والمعاهدات والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق اللاجئين الفلسطينيين بشكل خاص..

فهذا التصريح يتعارض ويقيد حق الفرد في حرية التنقل الذي كفله القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي أعطى الفرد حق اختيار محل إقامته ومغادرة أي بلد والعودة إليه وحظر تقييد هذا الحق خارج إطار القانون. كما حظر إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في أقليم دولة طرف في هذا العهد إلا وفقا للقانون.

وهذا ما نصت عليه صراحة المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادتان (12 - 13) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادتان (26 ـ 27) من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وجميعها لبنان عضو فيها.

فاللاجئ الفلسطيني المقيم في لبنان هو قبل كل شيء إنسان ويتمتع بحقوقه الطبيعية كإنسان التي كفلها له القانون الدولي، ومنها حقه في حرية التنقل داخل وخارج لبنان وأينما حل دون قيد أو شرط، وإسقاط صفة اللاجئ عن اللاجئ الفلسطيني الذي يغادر لبنان هو إجراء تعسفي وغير قانوني ويعد انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان وتحديدا الذي يكفل لكل إنسان حرية التنقل دون قيد أو شرط..

اللاجئون الفلسطينيون يتمتعون بوضع قانوني خاص يختلف عن بقية اللاجئين في العالم لحاجتهم جميعا دون تمييز إلى الحماية القانونية المؤقتة، حيث أسست وكالة خاصة بهم هي الأونروا تم تفويضها برعايتهم حتى عودتهم إلى ديارهم التي هجروا منها.


فالقانون الدولي العام يوفر للاجئ الفلسطيني مركزا قانونيا يخوله الحصول على الحماية، ويضمن له احترام حقوقه الطبيعية الأصيلة وفق مبدأ احترام حقوق الإنسان، بما فيها الحق بالعودة إلى الديار ومبدأ عدم الطرد وكذلك حقه الأصيل في تقرير مصيره بنفسه وفق مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.

كما أن صفة اللاجئ ومركزه القانوني هي حق أصيل وطبيعي للاجئ الفلسطيني لا تسقط إلا بالعودة إلى دياره التي هجر منها، وهذا ما أكدت عليه الفقرة 11 من القرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي عشر من ديسمبر/ كانون الأول 1948، بعد يوم واحد من صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إن اكتساب اللاجئ الفلسطيني لجنسية دولة ما لا يسقط عنه صفة اللاجئ ولا يسقط حقه في العودة إلى بلده فلسطين المكفول حسب قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وخطورة هذا الاقتراح تكمن في أنه إذا وجد طريقا للتطبيق العملي فإنه سيقوض حق العودة وسيشطب حوالي أكثر من 3 ملايين لاجىء فلسطيني مسجلين في سجلات الأونروا ممن يحملون جنسيات أخرى.

تصريحات باسيل وتعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

إن تصريحات الوزير جبران باسيل ودعوته لشطب اللاجئين الفلسطينيين الذين تغيبوا عن لبنان أو حصلوا على جنسية دولة أخرى من سجلات الأونروا قد تكشف عن الأسباب الحقيقية لتعداد اللاجئين الفلسطينيين الذي أعلنت عنه الحكومة اللبنانية في 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حيث بينت الأرقام التي أفضى إليها التعداد أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات السكانية بلغ 174 ألف فرد، والذي يخالف التعداد الرسمي للاجئين الفلسطينيين المسجلين في الأونرورا في لبنان والبالغ 483 ألف لاجئ (أي بفارق حوالي 300 ألف لاجئ).

ويعزو بعض الباحثين هذا الفرق إلى وجود وثيقة لكل لاجئ فلسطيني مسجل في وكالة الأونروا، وكذلك الأمر بالنسبة لسجلات وزارة الداخلية اللبنانية ولدى دائرة شؤون اللاجئين، في حين أن التعداد إن صحت أرقامه، يعبر عن العدد الفعلي والحقيقي للاجئين الفلسطينيين في لبنان بغض النظر عن طبيعة الوثيقة، ويبدو منطقياً أن هذا الفرق، وهو 300 ألف لاجئ فلسطيني، كانوا يتواجدون داخل لبنان، باتوا يقيمون خارجه سواء للدراسة أو العلاج أو اكتسبوا جنسيات دول أجنبية، ما يسهل حركة دخولهم وخروجهم إلى لبنان بكل حرية.

وحتى يتم الخلاص منهم نهائيا وحرمانهم من العودة إلى لبنان وضمان بقائهم خارجه لا بد من نزع صفة اللاجئ عنهم، وهذا لا يتم إلا من خلال شطبهم من سجلات الأونروا وبالتالي تسقط عنهم صفة اللجوء والحماية القانونية الدولية، ويتم توطينهم في الدول الأخرى التي يقيمون فيها ويحملون جنسيتها، وبذلك يتم تقويض قضية اللاجئين الفلسطينيين وإسقاط حق العودة إلى فلسطين المحتلة.. وتستنسخ التجربة نفسها مع اللاجئين الفلسطينيين في بقية الدول الأخرى..

من هنا يتضح جليا الغرض الحقيقي من تصريحات باسيل ودعوته لشطب اللاجئين الفلسطينيين المقيمين خارج لبنان أو المتواجدين داخل لبنان، ولكنهم حصلوا على جنسيات دول أخرى.

موقف الحكومة اللبنانية والأونروا من تصريحات باسيل

رغم مرور عدة أيام على تصريحات وزير الخارجية والمغتربين اللبناني، وعلى الرغم من الجدل والاستياء الذي أثارته هذه التصريحات، إلا أنه لم يصدر أي موقف أو تعليق عن الحكومة اللبنانية التي نرى أنها باتت ملزمة أخلاقيا ودبلوماسيا بتوضيح موقفها وتفسير تصريحات باسيل التي وضعتها في موقف حرج يتطلب التعليق والتفسير والتوضيح والإجابة عن تساؤلات مطروحة وتثير مخاوف لدى اللاجئين الفلسطينيين والمجتمع الدولي، وهي:

أولا- هل تمثل تصريحات وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل انقلابا في موقف الدولة اللبنانية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين؟

ثانيا- هل هذه التصريحات هي تمهيد لاصدار تشريعات وقوانين داخل لبنان تحرم اللاجئ الفلسطيني من العودة إلى لبنان في حال المغادرة والسفر للخارج سواء للتعليم أو الإقامة المؤقتة؟

هذه التساؤلات المشروعة موضوعة أمام الحكومة اللبنانية وتنتظر الرد عليها. ومن جهة أخرى فإن الوزير جبران باسيل مدين بالاعتذار للشعب الفلسطيني عن تصريحاته والتراجع عنها.

وختاما، فإن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مطالبة وانطلاقا من مسؤولياتها التاريخية والقانونية والأخلاقية، بإصدار بيان/ تصريح ترفض فيه تصريحات الوزير اللبناني والتأكيد على أن سجلات اللاجئين الفلسطينيين في الأونروا خط أحمر ومحمية بصفة قانونية ولن يتم المساس بحقوق اللاجئين الفلسطينيين التي كفلها لهم القانون الدولي تحت أي ظرف كان وفي مقدمتها حقهم في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها قسرا.
9CCA9ABB-3959-4C11-9859-245652445B40
معتز المسلوخي

محامي وباحث قانوني مقيم في قطر... عضو الأمانة العامة ورئيس اللجنة القانونية في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج وعضو منظمة العفو الدولية.