هل نميل نحن البشر إلى الخيانة؟!

هل نميل نحن البشر إلى الخيانة؟!

21 مارس 2018
+ الخط -
لا شك في أن الذات البشرية تنضوي على مئات الإرهاصات والحسابات السلوكية المبرمجة لغرض حماية الذات من أي انزياحات محتملة تؤدي إلى نهاية قاسية وغادرة غير محتملة.. نحن نتحدث هنا عن نزعة متأصلة للحماية والشعور بالأمان..

من المعروف جدأ أن مفهوم الخيانة يأخذ تألقه عبر سمته السياسية كجنوح مناف للأخلاق وللقيم وللمنطق الاجتماعي بطبيعة الحال..

الخيانة ليست مصطلحاً سياسياً أو عسكرياً وحسب، هي أيضا تعريف عاطفي متين لأي حالة غدر تحكم العلاقات بين الأشخاص، لأي سلوك غدر ينتهك النزعة النقية داخل الأفراد، أتحدث هنا عن الخيانة ليس لأنها سلوك مهين وجارح وحسب، أو حدث خاص تتسم به ثلة من أسوأ الناس، بل بوصفها سلوكاً ربما يكون مستشريا في السرداب الخلفي من طبيعة المجتمعات وطبيعة النفس البشرية فيما يتم أغلب الأحيان التكتم أو الهروب من مواجهته خوفا من النقمة الجمعية التي لا ترحم..


يستطيع المرء على الدوام إنكار مشاعر الرغبة في الخيانة في عقله الباطني، يستطيع أن يمنعها من الظهور، إذ إن الخيانة كمفهوم فضفاض وشخصي قابل لتعريفات كثيرة في ظروف متعددة، يستطيع الاختفاء مثلما يستطيع الظهور، بالنسبة لي لا أصدق أننا نعيش حياتنا من دون أن نفكر أو نشعر أو ننفذ حتى شيئا من الخيانة، في لحظة أو موقف ما، هذا ليس جلدا للذات بدافع رغبة الطعن في الطبيعة البشرية أو تقليل من شأنها، وإنما محاكاة لماهية الشعور بشذوذ السلوكيات وضعفها عندما تؤثر سلبا على الأشياء الجميلة بالحياة.. لطالما تكهنا عن الأشياء التي يمكن أن تفرزها الذات البشرية.

لا أتكلم عن الخيانة هنا لأني أشعر بها شخصيا أو لأنها تحوم حولي، وحسب، مع أننا نشعر عمليا بأن البشر يخونون مبادئهم وقيمهم يوماً بعد يوم بسبب كثرة الحروب والخراب وانعدام القِيَم في الكثير من بقع العالم، ومن غير الممكن بطبيعة الحال غض النظر عن الأزمة الأخلاقية الكبرى التي يعيشها المجتمع العالمي (السياسي - الاقتصادي - الإعلامي)، وهشاشة الثقافة العالمية الحديثة، وبالتالي من غير المفيد عدم ربط مفهوم الخيانة بكل ما سبق..

الخيانة لا تمثل حالة غدر فردي وحسب، وإنما أيضا هي العجز على الدوام في الوصول لأي لحظة صدق مع الفكرة، وبالتالي الاستمرار بتكريس حالة الخداع والكذب العالمي كمنظومة متكاملة ومتكافئة بين كافة الأطراف المتحكمة، بالنسبة لهذه المنظومة: الخيانة أقل كلفة من الالتزام المبدئي أو الصدق لأنه ببساطة الالتزام والوضوح يقودان إلى أفول السلطة الفردية والجماعية، على حد سواء، وهذا بحد ذاته أسوأ كابوس ممكن أن يعيشه العالم الفردي -السياسي عموما- باعتقادي الإعلام العالمي سيظل -خائناً- ما لم يملك الشجاعة كي يعترف بالأشياء التي يراها مخادعة.

دلالات

42BBA522-1BE8-4B0B-9E9A-074B55E2BCB4
معتز نادر

كاتب صحافي وشاعر.يقول: من المخزي أن ينسف طارئ نفسي أو عقلي معين كل ما أنجزته تجربة الذاكرة عبر سنواتها الطويلة.. إن هذا يؤدي إلى الحديث عن الموهبة الممزوجة بالصدق والنقاء، إذ برأيي ستكون أقصى ما يمكن أن يصل إليه المرء من كفاءة وروعة.وليس ثمة قضية أهم من مواجهة الإنسان لوحدته.. إن هذا العالم نهض على الأغلب من أشياء تافهة وغير ملفتة، وهذا ما يمنح الإغراء للبحث عن حياة نقية وأكثر نضارة.

مدونات أخرى