قصة مسلسلة: مروان والمرأة المولولة (الأخيرة)

قصة مسلسلة: مروان والمرأة المولولة (الأخيرة)

18 مارس 2018
+ الخط -
ملخص الحلقات الأربع السابقة: السيد مروان الذي كان يعاني من الأرق نزل إلى الشارع إثر سماعه صوت امرأة مولولة، ودخل معها إلى المخفر ثم إلى مكتب رئيس قسم الشرطة، بوجود أناس آخرين.

قال الحكواتي: نحن العرب، يا أخوان، نحب الحكي وينطبق علينا القول المأثور: "هات سميعة وخذ حكواتية"، وأنا شاهدت رسماً كاريكاتيرياً لعلي فرازت فيه أكثر من ألف رجل يقولون خطابات وأمامهم سميع واحد أعتقد أنه حاجب القاعة المخصصة لإلقاء الخطابات.

وجدت السيدة أم حسن كل هؤلاء السميعة، وبضمنهم رئيس القسم، يصغون إليها، فشرعت تحكي "وتشوبر" بيدها، وتضحك، وتبكي، وتبتسم، مثل الفصول الأربعة، بينما استأذن الجاني (حسن) من رئيس القسم بأن ينام قليلاً لأنه، كما قال، يحفظ كلام أمه عن ظهر قلب، فهي تعيده عليه ثلاث مرات في النهار القصير. قالت أم حسن:
- أول بند، هذا الولد لم يفلح بالدراسة. يوم قعد في المدرسة كان عمره سبع سنوات وكانت جارتنا أم أكرم تضع مولودها. ابني حسن ظل يرسب في الصف الأول حتى صار أكرم معه، ثم تجاوزه، يومها جاءت لأبي حسن، رحمه الله، أول نخزة في الثدي الأيسر.

قال رئيس القسم: قصدك جلطة؟
قالت: أي نعم، نخزة. يعني جلطة. وعندما وضعه أبوه عند الكهربجي ليتعلم الصنعة، وبقي ثلاث سنوات، ثم أعاده إلينا الكهربجي قائلاً: ما منه أمل، جاءت لأبيه كريزة رمل وبحصة في الكلية، البحصة نزلت إلى الحالب وعترست، لا تطلع ولا تنزل، الله وكيلك، أكثر من شهر.

قال مروان: الكهرباء مهنة معقدة، لو أنكم اخترتم له مهنة أسهل منها.
قالت أم حسن: معك حق يا ابني. حطيناه في عمل لا يوجد أسهل منه في العالم. حلاب بقر في المبقرة الحكومية هل يوجد أسهل من هذا؟! أمي الله يرحمها كانت أمية، لا تعرف الألِفْ من العصا، وبدقيقة تحول بز البقرة إلى شيء شبيه بالجورب.

قال رئيس القسم: وفشل؟
قالت: لم يفشل تماماً، ولكنه غبي، كما قلت لك. لقد ارتكب خطأ ليته كان أودى بحياته، لو مات كنا نزعل عليه كام يوم وننتهي! أخذ السطل يا عين خالتك، يا أبو القسم، وبدل أن يدخل إلى مهجع البقرات ليحلبهن دخل إلى مهجع الثيران! وبدأ العمل الذي آتى من أجله. وعينك لا ترى إلا النور. لو رأيته بعد دَعْوِسَتِهِ من قبل الثيران لما صدقت إنه بقي حياً. يومها أبو حسن جاءته رشقة على رأسه.
- رشقة؟
- قصدي جلطة دماغية وصار معه فالج. وبلا طول سيرة كل (تَيْسَنة) من (تيسنات) حسن بكريزة، أو رشقة، وأنا واقفة قباله أطعمه وأسقيه وأعتني بنظافته، وهذا حسن ولا على باله، إلى أن حصل ما حصل اليوم ولكن هذه، شهادة لله، لا يمكن أن يُسأل عنها حسن.
- كيف لا يُسأل؟ ألم تقولي إنه تسبب بوفاته؟
- بلى لكن الله يجازي مَنْ كان السبب. لقد أصدروا قراراً يقضي بتعيينه في وظيفة مهمة، وتحت يده بشر ومصالح كثيرة. قال لي أبو حسن، الله يرحمه، وهو يشحد أنفاسه بصعوبة: "بلغ السيل الزبى يا صبوحة، قبل هذا كان حسن ابني ومصيبتي. أنا خلفتُه وأنا مجبر أن أبتلي به. أما أن يبتلي به المجتمع فـ..."
لا أعرف ماذا بعد "فـ..." التي قالها الله يرحمه. لأنه على أثرها عض على لسانه وأعطاك عمره.

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...