بين زبيدة المصرية وزينب السورية... الاستبداد واحد

بين زبيدة المصرية وزينب السورية... الاستبداد واحد

01 مارس 2018
+ الخط -


في مشهد زبيدة المصرية في حضرة عمرو أديب استعادة لمشهد زينب الحصني السورية بعد تسلّم أهلها رسمياً جثة متفحمة لدفنها في 2011، الفروق بسيطة بين استوديو اللقطة ومصير ابنتي العالم العربي، كاختزال لحالة كل النساء اللاتي يتباكى عليهن المتباكون.

وبين اللحظتين ينكشف أصل الحمض النووي لأنظمة الاستبداد. في الأولى على قناة الدنيا كان الكل، حتى شيخ الأزهر أحمد الطيب، قبل أن يصير إلى ما صار إليه لاحقاً في عصر الانقلاب، متآمراً على نظام عائلة الأسد.

في الثانية بحالة زبيدة، وقبل لحظات من اختفاء الأم، كانت مهنية "بي بي سي" البريطانية قد "حُشرت في زاوية" إعلام السيسي، وربما احتاجت "لدروس في مدرسة أحمد موسى" وكل من على شاكلته.

في عرف هذه الأنظمة كل من لا يطبل ويبرّر ويحوّل صفحاته وشاشاته إلى بروباغندا في خدمة أحذية عسكر الحكام لا يفقه من الإعلام شيئاً، قناة "الدنيا"، وأشباهها في بيروت، وأخواتها في القاهرة هذه الأيام، ومن يقلدها شتماً وكذباً وقرصنة في الخليج، تحيل الصورة إلى مسرح تراجيدي ثمنه دماء عربية.

في قصة إخراج زينب، لم يسأل أحد من جهابذة "إخراج اللقطة" سؤالاً بديهياً: "إذاً من التي دُفنت متفحّمة؟"، لم يعنِ السؤال أحداً، ولا قناة حزب المظلومية في بيروت، ليس لاسمها، بل لحمص التي "ما فيها شي"!، وذلك درس آخر من دروس الكرامة ودروس البصق على المبادئ... فهل كانت "قانا كذبة؟".

الاكتشاف البسيط للقيمة الصفرية للإنسان العربي، في هوجة "الممانعة" وتآمر أميركا وإسرائيل على السيسي التي صدقت أنها ليست كذبة، قبل محارق الكيماوي وبراميل التفاخر، برميها من هليكوبتر مشعليها بالسجائر فوق رؤوس نفس البشر الذين تباكى عليهم إعلامهم، يعيدنا اليوم إلى المربع الأول. لكن، هل زبيدة وحدها من اختفت ثم ظهرت؟

لنتذكر قليلاً حالة الإنكار التي رددها أتباع بشار الأسد عن "لا وجود لمعتقلين ومعتقلات"، ثم فجأة ظهر هؤلاء الرجال والنساء، الحفاة وشبه العراة، يفرّج عنهم بعملية تبادل في فصل شتوي. صورة لا يمكن محوها مهما بدت البروباغندا قوية في زمن الاختباء وراء قوة روسيا وإيران ومليشياتها.

زبيدة إذاً تعيش في منزل زوجها. حية وتجلس بشحمها ولحمها مع محقق "إعلامي فطحل" لا يهمه من أمر زبيدة سوى اللقطة، وأن أحداً لم يضغط عليها. جيد، لكنه أيضاً غير منشغل كما انشغال "بي بي سي" وغيرها في اختراع قصص كلها "أكاذيب".

مثل زينب، تصبح زبيدة أحد أفضل الدروس الجدية، غير المجانية للأسف، لتفاصيل هذا العقل الإجرامي "الإعلامي" في عالمنا العربي. فهل يجرؤ عمرو أديب، وليس شخصه بالطبع، لأنه باعترافه يدرك معنى أن "يخوزق نظام وضيع الشعب كله"، قبل أن يتباكى عليه، أن يخبرنا عن سبب اختفاء زبيدة وأمها الآن؟

في جمهوريات الخوف كان الناس يستخرجون ذكاء البقاء تهكماً، عند مخابراتنا يمكن للحمار أن يعترف أنه غزال، وكثيرون هم حمر أمتنا الذين ظنوا فعلاً أنهم غزلان، بالتالي يصبح من المحزن والمخجل أن يذهب التحدي منحى ثمنه أرواح الناس، فكم ألف ألف زبيدة وزينب لدى أشباه البشر ممن يسمون "حكاماً؟".

على كل، بين زينب وزبيدة ثمة شابة ألمانية "ليندا الداعشية القاصر"، في محاكم العراق اليوم، أمها وأختها ذهبتا، مع محامين ومندوبين من سفارتها إلى بغداد، تتحدثان إلى وسائل الإعلام عن "استعادة ابنتنا".

في مزارع الحكام تبييض صفحة الحاكم، ولو قال عن بلده "أشباه دولة"، يصبح آية من آيات "قرآن خاص" يشبه السجود على صورتين: واحدة لبشار في ساحة الأمويين وأخرى للسيسي في التحرير بعد الانقلاب، وتلكما تغيبان اليوم، لأن هذا الذي نراه لا علاقة له بالإعلام، فلا هو حر ولا مهني ولا حيادي.

إنها ماكينة غوبلزية مستمرة، حتى يقوم الناس فيحرثوا أرضها ذات يوم، بدل الارتهان لمستقبل استعباد يورث للأجيال المقبلة كما ورثه معسكر النفاق، بين نظام ونظام.