الحرية وكاميرا الجوال

الحرية وكاميرا الجوال

19 فبراير 2018
+ الخط -
في كثير من الأحيان ووسط هذا الكم من التفاصيل العنفية والحصار الإعلامي القمعي الذي لا حدّ له ربما، نجد لحظتنا الخاصة وألق فكرتنا في أشياء تتحرك ولا تتكلم وهي ليست قليلة تستطيع كاميرا -الفيديو- أن تشعر بها.

والقصد هنا هو الاقتراب والمساس بأشياء ربما تكون قريبة من ذاكرتنا يسهل الاحتفاظ بها وأرشفتها فنيّا من دون اتباع الطريقة التقليدية المباشرة في التصوير، وعلى ذلك لا يحتاج الأمر سوى لكاميرا فيديو صغيرة والمقدرة على "اللقط ـ لقط" اللحظة الفنية وتحويلها لفكرة، واستثمار كل ما هو حاضر بمحيطنا المادي لخدمة فكرتنا، الجدران؛ أصدقاؤك؛ أحد ما مر بالصدفة أمامك؛ منظر جميل؛ شلّة يمرحون مع بعضهم فيما أنت ترقبهم عن بُعد.

- إذا كانت هذه الفكرة جديرة فلن تكون إلا صامتة بطبيعة الحال وخاطفة بمعناها وحساسيتها.

بالتأكيد لستُ مُخرجا سينمائياً حتى أدفع الآخرين للإلهام؛ ففي المحصلة، لا يهتم الكثيرون بفن التصوير أو ما شابه، ولكن ما أعنيه بالضبط هو أن أي أحد منّا يستطيع أن يخرج الطاقة الكامنة بداخله بطريقة ما، وأن يكون على درجة من الثقافة والتنوير بينما هو يمشي يصور هذا وذاك من دون أن يكون قارئا متمرساً، بالنهاية الثقافة هي حساسيّة وأسلوب حياة وليست ببغاء لا يتوقف عن قراءة الكتب، فالقراءة إن لم تولّد رجّة ذاتية لن يكون ثمة فائدة منها.


وذلك العمل الفردي الفني يجعلنا نتعرف على الحجم الهائل من الممنوعات والرغبات داخل المجتمعات العربية التي ترزح تحت ريح الديكتاتورية، ويجعلنا نواجه عقليات ونماذج متنوعة تحاكي المجتمع الذي نحيا فيه. وبالتالي تُعطينا لمحة عن مستوى الكَبت الذي يحيط بنا، إذ يقول لك أحدهم بينما تهم بأخذ لقطة في مكانٍ ما: لا تصورني.. لا أريد أن أظهر في الصحيفة.
*يظن أني مراسل لصحيفة ما! وأثناء الأعياد مثلا؛ يصيح أحدهم: لماذا صورت هؤلاء كانت أختي بينهم ولا أريدها أن تظهر في الصورة.
*لا يتجاوزعمر أخته ست أو سبع سنوات!

وحالات أخرى كالتصوير أمام الجامعة أو في داخلها إذ يخرج عليك أمن الجامعة: هل لديك ترخيص؟ وكأني –فيلليني- وقد جئت أصور فيلما!

لكن الجانب الإيجابي بهذه العملية كونك تتعرف على داخليات المجتمع بشكل مباشر وسريع لا يخلو من الإثارة ومتعة التجربة، أشياء طريفة تواجهك وتضعها في سِجل الذكريات، والأهم من ذلك هو شعورك وأنت تُصور وسَط هذه المنظومة من الإرث الخائف المتحفظ الطويل، بأنك تقوم بعمل يحمل في طياته قَدرٍ من الحرية سَيخدم تجرِبتك في شيء ما لاحقاً.

دلالات

42BBA522-1BE8-4B0B-9E9A-074B55E2BCB4
معتز نادر

كاتب صحافي وشاعر.يقول: من المخزي أن ينسف طارئ نفسي أو عقلي معين كل ما أنجزته تجربة الذاكرة عبر سنواتها الطويلة.. إن هذا يؤدي إلى الحديث عن الموهبة الممزوجة بالصدق والنقاء، إذ برأيي ستكون أقصى ما يمكن أن يصل إليه المرء من كفاءة وروعة.وليس ثمة قضية أهم من مواجهة الإنسان لوحدته.. إن هذا العالم نهض على الأغلب من أشياء تافهة وغير ملفتة، وهذا ما يمنح الإغراء للبحث عن حياة نقية وأكثر نضارة.

مدونات أخرى