مشاريع الفنان عمر حجو

مشاريع الفنان عمر حجو

16 فبراير 2018
+ الخط -

كنت أسافر برفقة الفنان الكوميدي عمر حجو إلى دمشق، من أجل تسجيل حلقات برنامج إذاعي عنوانه "لا تواخذونا"، هو من تأليفي، وبطولته مع مجموعة من نجوم الإذاعة، وإخراج مصطفى فهمي البكار. وطوال الطريق لم يكن ليهدأ لنا لسان، ندخل في حديث ونخرج من حديث، حول شؤون الحياة والدراما والكوميديا والتلفزيون والإذاعة والمسرح.. إلخ.

كانت لعمر حجو عادة متأصلة، وهي أنه يطرح مشاريعه الفنية أمام أصدقائه ومعارفه، وحينما يلاقي الاهتمام اللازم يدخل في خانة المتابعة، إلى أن يكتمل المشروع، ووقتها يعلن استعداده لأن يعمل ضمن المشروع في أي موقع يناسبه، بمعنى أنه لا يشترط أن يلعب دور البطولة المطلقة، مثلما يفعل غيره من نجوم الدراما المعروفين.    

وبما أنني إدلبي، فقد كان هو يتعمد مخاطبتي بعبارة "يو خاي" الإدلبية، وتعني: يا أخي. 

قال لي ذات سفرة: أيش رأيك (يو خاي أبو مرداس) أن تكتب لنا عملاً مسرحياً عن المجانين؟

فأجبته جرياً على عادتي في الاستجابة بحماس لأي مشروع يطرح علي: أنا جاهز. نكتب. 

قال: دعني أشرح لك الفكرة إذن. في اعتقادي أن بعض الناس لا يعانون، أساساً، من أية لوثة عقلية، ولكن ربما دفعتهم ظروفهم الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية إلى الجنون. وبما أن المسرح يتحمل بعض الحلول التخيلية، فإن بإمكانك أن تجعل أناساً آخرين يتقمصون حالة الجنون للهرب من مأزق حياتي ما، أو لتحقيق مصلحة ما.. وهكذا تتحول حلبة المسرح إلى إمبراطورية دعنا نطلق عليـها اســم "إمبراطورية المجانين". وكما تعلم (يو خاي)، فإن في لندن ساحة شهيرة تدعى "البارك". حيث بمقدور أية جماعة أو فئة أو أفراد منظمة أن يقفوا في "البارك" ويقولوا ما يشاؤون ضد مَن يشاؤون، وكان الإنكليز لا يعترضون على ذلك، بل ويؤيدونه، ويعتبرون الأمر طبيعياً جداً.

قلت: أتدري؟ لقد ذكرني حديثُك هذا بفصل من مسلسل كتبته قبـل بضـع سنـوات يحمل عنـوان "شفيق الطيب". فبحسب أحد فصول ذلك المسلسل، فإن سلطاتُ ولاية الشام اعتقلت الشابَّ "شفيق" بتهمة اغتيال الوالي. وفي ثكنة البصاصين (يعني المخابرات بلغة اليوم) كانوا  يضربون الشاب شفيق على قدميه طالبين منه الاعتراف، وكان ينكر، فيزيدون في ضربه. وذات مرة جرب أن يعترف. اعترف كاذباً بأنه قتل الوالي. فتوقفوا عن ضربه، وصاروا يعاملونه بلطف! ولدى زيارة أحد أقاربه له في السجن نبهه شفيق إلى مسألة على قدر كبير من الأهمية، إذ قال له:

- طالما أنت هنا، في ثكنة البصاصين، إياك ثم إياك أن تقول الصدق. فهنا يُضرب الإنسان الصادق كما تُضرب البغال، إلى أن يكذب، ووقتها يتركونه وشأنه!

ضحك الفنان عمر وقال: هاها. إذن، فالمسألة لها علاقة بالتعبير عن الرأي بكامل الحرية..، يعني بالديمقراطية. تعال إذن نصحح عنوان المسرحية، فنجعله: "إمبراطورية المجانين الديمقراطية العليا".

قلت: اتفقنا.

والحقيقة أن مشروعنا المسرحي ذاك لم يكتمل، ولكنني اعتمدت على فكرة الراحل عمر حجو في تأليف مجموعة قصصية تحمل العنوان نفسه، صدرت في سنة 2006.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...