الطاعة العمياء... نافذة للاستبداد السياسي

الطاعة العمياء... نافذة للاستبداد السياسي

15 فبراير 2018
+ الخط -

يتحدد هدف كل سلطة سياسية قائمة في تحقيق التطور لأفرادها كما قال جون ديوي "إن هدف النظام السياسي أن يساعد الفرد على التطور تطوراً تاماً ولن يتحقق هذا، إلا إذا اشترك كل فرد حسب استطاعته في تقرير سياسة جماعته ومصيرها".

ومع التطورات التي عرفتها المجتمعات الأوروبية مع عصر النهضة، ولى زمن النظرية الثيوقراطية، وبدأ البحث في أسس فكرية عقلانية جديدة التي تستطيع أن تعطي لإرادة الأفراد دوراً أساسياً في اختيار الحكام ومراقبتهم، واخترعت آليات متعددة جعلت من المواطن يشارك في العملية السياسية.

بعد تجربة الدولة الدينية في القرون الوسطى المبنية على الحق الإلهي وسلطة فردية مطلقة تستمد قوتها من تفسير معين للدين فإن الأمر ذاته حدث في التجربة التاريخية الإسلامية حيث تم تفسير الدين من طرف العديد من الفقهاء والمفكرين الإسلاميين من أجل تبرير إخضاع الأمم حين قال معاوية حول الخلافة "الأرض لله وأنا خليفة الله ما أخذت فلي وما تركت للناس فبالفضل مني".

هي تأويلات الدين تركت بعض بصماتها حتى في الدولة الحديثة بالنسبة للعديد من الدول العربية الإسلامية التي لم تتجاوز بعد التبريرات اللاهوتية والتحليلات القروسطية لبناء الدولة والسلطة السياسية والتي ظلت تلتزم بقاعدة ضرورة طاعة الوالي، غير الملزم بتقديم أي حساب وكل مقاومة له أو محاسبة بسبب تجاوزه كل حدود الاستبداد تعد فتنة أو معصية وكأن لسان حال شعوبها يقول: "إن التألم من ظلم حاكم هو أفضل من زعزعة استقرار البلاد".


فليس لأحد أن يبرر قول كلمة الحق أو المقاومة ولو استندت على خرق الحاكم لقانون البلاد ودستورها أو حتى فساده، أو تفشي ظلمه فالله وحده سيد العدل والظلم من يستطيع أن يقرر الصواب أو الخطأ في هذه الحالة وليس الشعب (المحكومون) إذ يجب "الصبر لجور ولي الأمر" كما هو متداول في خطابات الفقهاء المنتشرة والتي تشكل امتدادا للممارسة التاريخية الإسلامية حيث يوظفون النصوص الشرعية الداعية إلى طاعة حكام المسلمين توظيفاً براغماتياً لا يتفق والنصوص الدينية ومقاصدها وبها يتم تزيين للحاكم ظلمه، وفي المقابل يهملون نصوص الجهر بالحق والنهي عن الظلم مهملين "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر".

لذلك تم التعطيل الكلي لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الطاعة التي يروج لها في صورتها المطلقة لم تكن موجودة حتى في العهد الراشدي كما جاء على لسان عمر بن الخطاب "لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها"، وما تكشفه من قبول للرقابة وأي معارضة صادقة شجاعة، حيث يشكل زمن الخلفاء الراشدين النموذج التطبيقي للفكر الإسلامي السياسي الذي يعطي للأمة الحق في تولية الأصلح بطريقة جماعية "الشورى" لا الوراثة.

وعلى العموم تنشأ النظم الديكتاتورية ويتسلل الاستبداد من نوافذ التبريرات الدينية لتفعل السلطات العليا ما تريد، وتفتح أبواب الظلم والفساد وهذا ما يسمى "بالاستبداد السياسي" وهو التغلب والاستفراد بالسلطة الذي يحتكم لتقييد الحريات وتقييد إمكانيات الأفراد، والدوس على الإرادة العامة للأفراد تلك الإرادة العامة التي عرّفها جان جاك روسو "هي انصهار إرادات الأفراد وتداخلها وتمازجها" والإرادة العامة هي مصدر مشروعية الدولة والسلطة السياسية واصل القانون وأساسه، وهو يقول حول الإرادة العامة: "إن الإرادة العامة يمكنها وحدها أن توجه قوى الدولة وفق الغاية من تأسيسها والمتمثلة بالخير المشترك".

وبما أننا في دولة حديثة، وفي ظل أنظمة سياسية ديمقراطية معاصرة شكلياً وبالمعنى الضيق، (إذ إن المؤسسات السياسية الدستورية لم تصل لمرحلة النضج بعد)، فيجب أن نتخلص من بعض المصطلحات ونلتزم بالمصطلحات القانونية الجاري العمل بها، فالكثير من الدول الديمقراطية الغربية لن تجد في قوانينها ودساتيرها مصطلحات (الطاعة - ولي الأمر - الإمام - أمير المؤمنين - خادم الحرمين) التي يلجأ إليها المستبدون وتستهويهم إذ تشكل الحجر الأساس في تطبيق سياساتهم الاستبدادية ونهب خيرات الوطن بلا رقيب ولا حسيب لترتع في البذخ.

وما يعيب على علماء الأمة وفقهائها انخراطهم في سمفونية الحاكم، ملوحين بالصبر والطاعة، متواطئين بذلك مع ظلم السلطة الحاكمة، متكئين على "من لا يقل خيراً فليصمت"، "الصمت" إذن تلك القاعدة التي أحكمت الاستبداد وأضعفت دور الشعوب العربية التي وصل بها الحال إلى ضعف مزري أمام الأمم الأخرى، إذ إن الطبيعة السلطوية للأنظمة العربية تحكمها "طاعة الوالي" المفروضة بالدرجة الأولى، ونحن هنا لسنا بصدد تقويض أسس الطاعة بل قراءتها من جانب موضوعي كي يتم عقلنتها لتحتكم إلى القواعد العقلانية أكثر، فالدين لم يأمر بالتغلب والظلم لكن نحن من نباركه ونناصره.
78912033-7E66-45FF-ABBA-99956BEAEB94
فاطمة بو دبوش

أنا كمغربية أمازيغية وعربية لا أعتبر نفسي حرة ما دامت فلسطين محتلة.